الوطن

هل ينجو لبنان
من العاصفة الأمميّة؟

} د. وفيق إبراهيم

صراع أمميّ حاد يضرب الشرق الاوسط من إيران الى لبنان مروراً بسورية وفلسطين وبشكل يتسبّب فيه بتعطيل أدوار مصر والأردن وفلسطين وشبه جزيرة العرب واليمن. فالمنطقة كلها مرتبكة تكاد تمارس مهنة الانتظار والترقب. فهناك سمٌ جديد لمخطط أميركي يتناسب مع اهتمامات الرئيس الجديد بايدن في حركته العالمية الجديدة.

يحاول فيها الاستئثار بأدوار بطولة عالميّة كما يفعل الجدد من الرؤساء الأميركيين عندما ينجحون عند كل انتخابات جديدة.

لبنان بدوره واقع في أزمة أميركية الطابع والأبعاد تحول دون أي حركة طبيعية يريد تنفيذها، لأن السياسة الأميركية تتجه الى تجميد الحركة السياسية في كامل الشرق الأوسط ومنها لبنان بالطبع، وتؤثر إعداد خطط يحضرها مكتب بايدن حالياً لكامل المنطقة بشكل تتكامل فيه سياساتها لمصلحة نهج بايدن الجديد وبشكل يخدم فيه تجربته العربية الجديدة من العراق حتى لبنان بما يشمل معظم المنطقة، مروراً بمصر وعلى متن جزيرة العرب، محاولاً أيضاً الإمساك بإيران بأشكال مختلفة.

لبنان اذاً في قلب هذا المخطط الخبيث انما مع إشكالات، إضافية وعميقة، تعود أسبابها الى ازدياد تعثر نظامه الاقتصادي والمالي.

فموازنته تتعرض لإرباكات عميقة جداً والخلافات السياسية والاقتصادية بين قوى نظامه السياسي تكاد تشهر إفلاسه. هذا بالإضافة الى الخلافات السياسية العميقة التي تضرب المسيحيين بالمسيحيين والقوى الطائفية الأخرى بما يواجهها في الطوائف الأخرى المقابلة.

لكن للبنان خصوصيات إضافية من المتاعب تزيد من محنته، وتجعله أكثر تعسراً من سورية وإيران وشبه جزيرة العرب وحتى اليمن والعراق.

وتكاد شمال أفريقيا تعادله في درجات التراجع والعوز.

فهل ينجو لبنان من أزماته؟ إنها إشكالات عميقة تجمع بقوة بين تراجعات اقتصادية عميقة تجعل الإفلاس الاقتصاديّ الداخليّ يزيد عن 70 مليار دولار وأكثر، متجاهلاً أي علاقات عميقة بروسيا وأوروبا من دون اي إذن أميركي مسبق. وهذا يشمل ايضاً استيراد الخضار والطعام المحضر مسبقاً ومعظم المستوردات التي تحتاج الى إذن أميركي مسبق.

فهل يستطيع لبنان الاستمرار وفق هذه الأوامر الأميركية والصمت الأوروبيالخليجي والخلافات الداخلية بين اللبنانيين التي تمنع كل الإيجابيات وتجعلها سلبيات مؤذية على الاستهلاكات اللبنانية.

إنها اذاً عاصفة هوجاء تريد تثليج لبنان في بئر من المياه الملوّثة والمؤذية واستلحاقه بكامل حركة التجميد التي تضرب المنطقة العربية بقرار أميركي أوروبي عميق.

وهو قرار يعتقد أن بالإمكان إيجاد تسويات عربية إسرائيلية على حساب التراجع الروسي والإيراني مع إنهاك شديد للدورين السوري والإيراني، بذلك تخلو المنطقة العربية من النفوذين الإيراني والسوري ودور حزب الله اللبناني لمصلحة ادوار اوروبية متحالفة مع «اسرائيل» وتمتطي النفوذ الاسرائيلي وبعض الحلفاء في لبنان والخليج.

فكيف يتخلّص لبنان من أزمته؟

إنها ازمة سياسية واقتصادية في آن معاً، ما هو سياسي منها يتطلب تدخلاً أميركياً أوروبياً خليجياً وسورياً وإيرانياً بوسعه إقفال العمق السياسي للأزمة عبر إيجاد تسويات بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وقوات لبنانية وحزب المستقبل.

اما الجانب الاقتصادي فيشترط سماحاً مسبقاً من هذه القوى الدولية باستعمال الأموال اللبنانية واخرى من صندوق النقد الدولي لسد الفجوات الاقتصادية الكبيرة، وذلك لمعالجة الخلل الاقتصادي الداخلي الكبير إلا أن هناك نقطة ثالثة وتتعلق في أن جانب الرعاية الدولية والإقليمية لن يقبل أبداً بإدارة لبنانية لهذه الأموال لأنه يعرف سلفاً انها ذاهبة للهدر والسرقة والتوزيع على قوى الطوائف وزبائنيتها.

ما يجعل من التعامل الدولي مع لبنان أسير ثلاث مراحل، سياسية واقتصادية ورعاية دولية.

لكن الرعاية الدولية ليست مسألة سهلة، لأن قوى الداخل اللبنانية قد تشترط مشاركة تغطياتها الإقليمية والدولية في عمليات توزيع أموال الديون او تؤكد على مساهمة خاصة بها، إذا تعذر الشرط الاول.

فالأموال في لبنان هي رأس حربة المشاريع السياسية ولا يمكن تحريكها إلا وفقاً لعلاقات عميقة بين قوى الطوائف اللبنانية. بذلك يتبين مدى صعوبة التعاملات الماديّة في لبنان ولعلاقاتها بالنظامين الاقتصادي والسياسي وبالتالي الدور الكبير في التعاملات الوطنيّة المحدّدة في النهاية لموازنات القوى الاقليمية وربما الدولية.

ان هذه المصاعب تفتح الأبواب بشكل واسع على سؤال مركزي اساسي وهو: هل يتمكن لبنان من النجاة من الكارثة الاقتصاديّة حتى يدرك سلم النجاة السياسي؟

الحقيقة أن هناك حالياً ارتباطاً في أزمات المنطقة بين سياسة واقتصاد وأدوار تجعل مستحيلاً فكفكة واحدة على حساب الثانية، بما يؤكد ان الجمود يمسك بالمنطقة تطبيقاً لسياسة أميركية تعتقد أنها الفرصة المؤاتية لإرهاق الروس والإيرانيين والإساءة الى السوريين، فهل هذا ممكن؟

لا شك في أن الجمود هو سيد الموقف حالياً بما يؤدي الى المزيد من إرهاق لبنان وجعل أزمته الاقتصادية اكثر تأثيراً على اوضاعه المعيشية والحياتية.

لكن الاتفاق بين القوى اللبنانية على حدود دنيا، بإمكانه تجنيب لبنان القسم الأكبر من متاعبه، هذا إذا تمكن الرئيس عون مع حلفائه من التوصل الى اتفاقات مع القوى الأخرى للإنقاذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى