أولى

العلاقات المصريّة – التركيّة إلى أين؟!

 د. محمد سيد أحمد

تمّت دعوتي هذا الأسبوع أكثر من مرة للحوار حول العلاقات المصريّةالتركيّة، بعد الإشارات التي وصفتها وسائل إعلاميّة عديدة بأنها إيجابيّة بين القاهرة وأنقرة، وكان آخرها تصريحات وزير الخارجيّة التركي بأن البلدين قد يتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إذا سنحت الظروف، وهو ما جعل وسائل الإعلام تتساءل هل حانت لحظة المصالحة؟! وبالطبع شهدت الحوارات التي شاركت فيها ثلاثة فرقالأول يرى أنّ المصالحة قريبة وأوشكت على الحدوث، والثاني يرى بأنّ هناك تقاطع مصالح بين البلدين يؤهّلهما لحدوث المصالحة، والفريق الثالث يرى أنّ المسألة معقدة وتحتاج إلى وقت طويل من المفاوضات، بخاصة أنّ هناك شروطاً تضعها القاهرة لإتمام مثل تلك المصالحة.

وكنت أنا من أنصار الفريق الثالث الذي يرى صعوبة إتمام المصالحة، بخاصة أن لا شيء من أسباب الخلاف قد زال بين البلدين، فتركيا منذ مطلع العام 2011 وهي تقف في محور العداء الصريح لمصر والأمة العربية، حيث شكلت إحدى أهم أدوات مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وقامت بدعم ورعاية الجماعات التكفيرية الإرهابية التي قرّرت الولايات المتحدة الأميركية استخدامها للعمل كوكيل لها على الأرض العربيّة لإتمام عملية تقسيم وتفتيت الوطن العربي، وفي ما يخصّ مصر فقد دعمت جماعة الإخوان الإرهابية بكلّ قوة، وعندما خرج الشعب المصريّ منتفضاً في وجهها بعد أن تمكنت من القفز للسلطة والوصول لسدة الحكم، وطالب في 30 يونيو/ حزيران 2013 الجيش المصري بالانتصار للإرادة الشعبية والإطاحة بالجماعة الإرهابيّة من سدة الحكم، وهو ما حدث بالفعل وجدنا تركيا تصف ما حدث بأنه انقلاب.

ولم تكتفِ تركيا بذلك بل استقبلت قيادات الجماعة الإرهابية على أراضيها وأنشأت لهم منصات سياسية وإعلامية لمهاجمة الدولة المصرية على مدار الساعة، وشكلت لهم غرف عمليات لإدارة الحرب ضدّ الشعب والجيش في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في الداخل المصري، وخاض الجيش المصريّ حرباً ضروساً مع الإرهاب بالداخل وعلى جغرافية سيناء بكاملها لسنوات.

 وقامت تركيا بإشعال النيران في الداخل السوري وهو الامتداد الطبيعي والتاريخي للأمن القومي المصري فسهّلت للإرهابيين العبور إلى الأراضي العربية السورية عبر حدودهما المشتركة، ثم أقامت لهم غرف عمليات عسكرية لإدارة الحرب الكونيّة على سورية العربية، ثم انخرطت في الحرب بشكل مباشر واحتلت جزءاً من الأرض العربية السورية بعد فشل الوكلاء الإرهابيين في تنفيذ مخططاتهم ونجاح الجيش العربي السوري في محاصراتهم والانتصار عليهم.

وعندما وجدت مهمتها في سورية قد أصبحت مستحيلة بعد حصار الإرهابيين في إدلب قامت بنقل آلاف الإرهابيين إلى ليبيا العربية في محاولة للضغط على مصر بورقة الإرهابيين، وعندما وقعت مصر اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان للاستفادة من ثرواتها النفطية والغازية الموجودة في شرق المتوسط، جنّ جنون تركيا واعتبرت ذلك إضراراً بمصالحها في شرق المتوسط فذهبت إلى حكومة الوفاق الليبية التي كان يرأسها فايز السراج ووقعت معه اتفاقيات غير شرعية لتوجد لنفسها موطأ قدم في شرق المتوسط، وهو تهديد مباشر للأمن القومي المصري، وهو ما استدعى الرئيس عبد الفتاح السيسي ليوجه رسائل مباشرة لتركيا بأنّ سرتالجفرة خط أحمر وعبورهما سيجعل مصر تتدخل عسكرياً وبشكل مباشر في ليبيا.

وإذا كانت هذه بعض ملامح الخلاف المصريالتركي فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو الجديد الذي تغيّر على الأرض ليجعل المصالحة المصريةالتركية ممكنة، ويجعل مصر توافق على ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، على حد زعم وزير خارجيتها؟!

أيّة مصالحة محتملة يجب أن تبنى على أرض الواقع عبر تغيير جذري في المواقف التي سبّبت الخلاف؟ وهنا يأتي سؤالنا الأول هل يمكن لأردوغان الذي بنى مجده السياسي على مشروع الخلافة الإسلامية في المنطقة أن يتخلى عن جماعة الإخوان الإرهابية؟! وهذا بالطبع يتطلب وقفاً فورياً للدعم السياسي للجماعة الإرهابية، وكذلك إغلاق المنصات الإعلامية التي تهاجم الدولة المصرية، وتسليم قيادات الجماعة الإرهابية التي صدرت ضدهم أحكام من القضاء المصري، ووقف إرسال الإرهابيين لسيناء.

والسؤال الثاني هل سيقوم أردوغان بوقف عدوانه على سورية؟! وهذا بالطبع يتطلّب سحب قواته المعتدية والمحتلة للأرض السورية، ووقف عمليات التغيير الديمغرافي التي يقوم بها في الشمال السوري، وكذلك وقف دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية الموجودة على الأرض العربية السورية.

والسؤال الثالث هل سيقوم أردوغان بإلغاء ما تمّ الاتفاق عليه مع حكومة السراج في ليبيا؟! وهو ما يتطلب سحب قواته الغازية من ليبيا العربية، وكذلك سحب الإرهابيين الذين أحضرهم للأراضي الليبية، وإذا كان يملك إلغاء الاتفاقيات الباطلة وسحب قواته، فهل بإمكانه سحب الإرهابيين، وهل هناك إمكانية لسحب الإرهابيين من دون مواجهة عسكرية مع الجيش الوطني الليبي؟!

أعتقد أن هناك صعوبة في قبول تركيا وأردوغان بالتراجع عن هذه المواقف، وبالتالي هناك صعوبة شديدة في حلحلة الموقف المصري الذي يمكن أن يقودنا لمصالحة مع تركيا في اللحظة الراهنة، وبالتالي إنجاز توقيع اتفاقية حدود بحرية معها، بخاصة أن أردوغان لا يعترف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تلك الاتفاقية التي تعتبر مرجعية لترسيم الحدود بين الدول، والتي بموجبها رسمت مصر حدودها البحرية مع قبرص واليونان، وهو عائق يجب تجاوزه أيضاً إذا ما أرادت تركيا ترسيم حدودها البحرية مع مصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى