الصراع الروسيّ ـ الأميركيّ إلى أين؟
} د. وفيق إبراهيم
تمكنت روسيا أخيراً من إعادة بناء نفسها كدولة وازنة أصبح بوسعها مقارعة الأميركيين والأوروبيين على السواء.
فلم تعد تلك الدولة الضعيفة التي تنتظر تحسن أسعار الغاز او النفط او تنظيم اسواق الطاقة بالتعاون مع السعوديين.
صحيح أنها تجنبت مواجهة السعودية في شبه جزيرة العرب، واختارت عدم الدخول في حرب اليمن في مواجهة الثلاثي الأميركي السعودي الإماراتي، لكنها فعلت وذلك من حكمة سببها أنها اعتبرت ان التنسيق مع السعودية وربما الإمارات افضل من الذهاب نحو اليمن، لاستكشاف الغاز والنفط الكامن من مناطق الجوف فيها، فروسيا في خاتمة المطاف من الدول الأساسية بالغاز في العالم الى جانب النفط بالطبع ما يضفي عليها طابع الدولة الكبرى المهيأة للتحوّل الى دولة كبرى فعلية تمتلك كل شيء تقريباً.
هذه الوضعية تضع الروس في مواجهة الأميركيين تماماً، باستثناء الانتشار الاقتصادي الذي يمسك به الأميركيون والصينيون حتى إشعار آخر.
وعند هذا الحد هنا الأميركيّون منزعجون من الصين التي تحتل الموقع الثاني وتكاد تتجاوزه في بضع سنوات فقط.
ما يجعل من الصين وروسيا قوتين هائلتين في الاقتصاد والنفط والغاز الى جانب الدور الاقتصاديّ الكبير.
الصراع الدولي إذاً يزداد حدة ورسوخاً فتجد الهند تنضم الى روسيا والصين في المجابهات الاقتصادية مع الأميركيين ولن تكون منفردة، لان الكثير من الدول مثل كندا واليابان واوروبا وغيرهم يسرعون لتعبئة نهضة اقتصادية تقوم على مسألتين الاكتفاء الذاتي في الإنتاج وتطويره الى حدود التصدير المريح.
ماذا تعطي هذه النتيجة؟ تؤدي الى صراع عميق روسي أميركي صيني مقابل نهوض أوروبي ياباني إسرائيلي استرالي قد يصيب بلداناً كثيرة في العالم.
ضمن هذه الرؤيا أين العرب؟ يمتلكون الغاز والنفط والقدرة على الاستثمار والانتاج، لكنهم لا يستطيعون تنظيم بنية إنتاج تعينهم على نهضة اقتصادية شاملة.
لذلك ولن يتمكنوا أبداً من الذهاب نحو إنتاج فعلي، فيفضلون بالتالي الاندماج في إطار الصراع الروسي الأميركي ليختاروا الأسهل لهم ما يؤدي الى الاستنتاج التالي بأن العرب لن يكونوا منتجين أبداً مفضلين الاستهلاك مما تنتجه الدول الكبرى.
هناك اذاً عودة الى الصراع الروسي الأميركي الذي يفتح زراعيه لكل من يريد الاندماج والعرب بالطبع في طليعة هؤلاء، لماذا! يكفي القول إن الأميركيين اكبر قوة تمتلك الغاز في العالم، وهم عاكفون على البحث عن سبل لتصدير إمكاناتهم الضخمة الى اوروبا، وهذه تشكل حلبة صراع روسي أميركي تعمل على مصادرتها القوى الأوروبية ومجمل الإمكانات في العالم.
العالم اذاً يتدحرج نحو مزيد من الصراعات الروسية الأميركية على وقع مساهمات يابانية وهندية ومتنوّعة.
لكن هذا لا يعني قط انكسار حدة الصراع الروسي الأميركي ولا تراجع المنافسات مع اليابان والهند وربما «إسرائيل»، ما هو مهم هنا أن العرب غائبون حتى إشعار بعيد، مقابل تصعيد كبير في الصراع الروسي الأميركي.
هذا إلى جانب أدوار يابانية وهندية أكبر، فهل بوسع العرب التقاط دور ما يمنحهم فرصة بسيطة على أدوار اقتصادية محدودة.
لن يكون هناك إلا الصراع الروسي الأميركي القابل للتطور كناتج طبيعي لغنى روسيا وأهمية الأميركيين الكونية وقد تتقدم اليابان وأوروبا والهند لاحتلال مواقع مقبولة.
العرب اذاً لا مكانة لهم في هذا النمط من الصراعات وكذلك الحال بالنسبة للروس الذين يتجهون الى بذل جهود ملموسة في حركة الإنتاج في القرن المعاصر لامتلاكهم الكثير من إمكاناته.
والروس هنا قوة ملموسة لديها علاقات مع الصين والكوريتين وفيتنام وكثير من الدول، وهذه قوى تضخ قوة إضافية في الاقتصاد الروسي تسعفه على منافسة الأميركيين بشكل فاعل.
العالم اذاً يتجه بسرعة الى صراع حاد للقطبين العالميين.
يتبين بالاستنتاج ان الصراع الروسي الأميركي ذاهب نحو مزيد من التقاتل مقابل تراجع الأدوار العربية، هذا يعني ان العرب لن يتمكنوا من تحقيق ما يريدون إنجازه على مستوى الأماني والطموحات خصوصاً على مستوى ترجمة الغاز والنفط الى إمكانات هائلة في عالم الصراعات الاقتصادية.
الصراع الروسي الأميركي الى اين؟
لا شك في أن البلدين يستعدان لمزيد من التناحر والقتال على قاعدة أن الأميركيين قادرون على الإمساك بالعالم، مقابل احساس روسي بقدرتهم الإضافية على استعمال النفط والغاز والتحول الى قوة اقتصادية منافسة بشكل فعلي للأميركيين.