الوطن

الاثنين مثل الخميس… لا مؤشرات جدية تمهّد طريق التأليف والشروط على حالها

 

} علي بدر الدين

لطالما انتظر اللبنانيون انعقاد اللقاء السابع عشر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، ليحظوا بفرصة تشغيل عداداتهم وأنفسهم لتعداد اللقاءات، خاصة أنهم «لا شغلة ولا عملة» بسبب الأزمة الاقتصادية الضاغطة على أنفاسهم حتى الاختناق، وتداعياتها المعيشية والاجتماعية والنقدية التي أفلستهم وأجبرتهم على البقاء في بيوتهم بلا عمل وبلا أمل، وزادت طينهم بلة وهمّهم همّاً جائحة كورونا المميتة والمؤلمة.

 لقد أطلق رئيس الجمهورية على الملأ دعوته إلى الرئيس المكلف إلى قصر بعبدا وتخييره بين التأليف أو الاعتذار. وردّ الرئيس المكلف بالمثل على المكشوف، في سابقة غير مسجلة في القاموس السياسي اللبناني منذ تأسيس دولة لبنان الكبير (من خارج  النص الدستوري) وخاصة عبر   تحويل الإعلام إلى منصة إطلاق «قذائف» كلامية مقنّعة بالاتهام المباشر وتحميل مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، ومصوّبة باتجاه من يعنيهم الأمر. ربما من ضمن أهدافها مشاركة الشعب المقهور والخائف من الآتي الأكثر سواداً وفقراً وجوعاً، في أن يكون حكماً، مع أنه أصبح فاقد الأهلية، بعد أن سلبته السلطة السياسية والمالية الحاكمة، قراره وحريّته وإرادته ولقمة عيشه، وكلّ حياته.

قد يكون الهدف الثاني من إزالة الرماد عن الجمر، والتلويح به من أكثر من فريق سياسي شريك ومتواطئ في الحال التي وصلت إليها البلاد والعباد لتبرئة الذمم، وبعد أن بدأ القلق والخوف يتسللان إلى الطغمة السياسية والمالية، بسبب انفلات الشارع، وتعميم الفوضى وتعتيم البلد، وسقوط العملة الوطنية غير المسبوق تحت مطرقة مصرف لبنان، و»مافيات» الدولار والمصارف والصيارفة، وسرقة حقوق المواطن في المحروقات والطحين والدواء والحليب والزيت، التي يُطلق عليها زوراً ونفاقاً «المدعومة»، ولا يصل منها إلى الشعب سوى ما يقارب العشرين في المئة، والباقي إلى تحالف السلطة وتجار الجشع والاحتكار الذين يخزّنونها أو يهرّبونها أو يبدّلون جلدها، لبيعها بأسعار لا سقف لها ولا حدود.

ما أقدم عليه الرئيسان المعنيان مباشرة بالتأليف، لم يأت من عدم، ولا مجال لاعتباره من باب المسؤولية والحرص والوحي المفاجئ، ولا أنّ الوضعين المحلي والإقليمي الدولي أعطيا إشارة ولوج التأليف، وانّ الطريق باتت معبّدة، وقد أزيلت العراقيل التي كانت حائلاً دونه، على العكس تماماً فإنّ توتراً وتهديدات متبادلة تسود العلاقات الأميركية الروسية، ولا جديد في العلاقات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، ولا جديد أيضاً أو أيّ تقدم أو تفاهم بين إيران والسعودية حول الحرب على اليمن وقضايا وملفات أخرى، ولا تغيير في الشروط الأميركية لتأليف الحكومة، ولم تظهر بعد أيّ مفاعيل لما يُحكى عن مبادرة روسية تجاه لبنان.

الأخطر من كلّ ما تقدم، أنّ القوى السياسية والطائفية والمذهبية، لم تعلن بعد أنها تخلت عن شروطها وحصصها ومواقفها من حجم الحكومة، وعلى أيّ رقم سترسو، على العكس، برزت مسألة عدم منح الحكومة الثقة في مجلس النواب، من أكثر من فريق، مزاجاً أو مصلحة، وهذه وحدها تحتاج، إلى مساع وتفاهم وحرق إضافي للوقت، ولم ينته المعنيون مباشرة أو بالواسطة من الموقف من الصلاحيات والميثاقيات والثلث المعطل ومن حقيبتي الداخلية والعدل، ومن يسمي هذا الوزير أو ذاك.

إنها «طبخة بحص» تحتاج إلى جهود ووقت ومبادرات وحلّالي عقد، وإلى طباخين مهرة، وهذا يعني أنّ صاعق التفجير ما زال موجوداً وقد ينفجّر في أيّ لحظة غير منتظرة وغير محسوبة.

اللقاء السابع عشر بين الرئيسين، ربما ساهم في تأجيل الانفجار، وأعلن هدنة مؤقتة، بانتظار نتائج اللقاء الثامن عشر، بعد غد الاثنين، وقد يتمدّد إلى الخميس، أو يقف عنده، لأنّ الأوضاع ضبابية، أو رمادية ولا توحي بالإيجابية ولا تبشر بالخير، بل على العكس مفرطة في السلبية، على قاعدة أنّ الحل الذي لم يأت على مدى أشهر، فكيف له أن يبصر النور في أيام وساعات «شو بدا مما عدا»…

الشعب اللبناني لم يعد يثق بطبقة سياسية ومالية حكمته اكثر من ثلاثين سنة بالفساد والنهب والتحاصص والتسلط،  وأفقرته وجوّعته وأذلّته، كلّ ما هو قادر عليه، بعد إطلالة الرئيسين، أن يأمل من دون فعل، وأن يعدّ اللقاءات بينهما، وان يدعو إلى الله ان يخلصه من وبائي السياسيين وكورونا، وانه في حال أثمرت هذه اللقاءات ونجح الرجلان في نزع صاعق التفجير، أن يكون وزراء الحكومة على مستوى عال من الكفاءة والنزاهة والنظافة، وليس بمواصفات وزراء دخلوا بمثل هذه المواصفات وخرجوا بشهادات عالية في الفساد والتشبيح والسرقة والثراء الفاحش. وتحضرني هنا قصة تقول: «إنّ جامعة أسيوط في جمهورية مصر العربية، كانت بلا أسوار، فكانت تمرّ عبرها (العربات) التي تجرّها البغال أو الحمير، اختصاراً للمسافة والوقت، غير أنّ أساتذة الجامعة تذمّروا من الذي يحصل، واشتكوا إلى رئيس الجامعة آنذاك الدكتور سليمان حزين، وهو كان أول رئيس لها، (وأصبح بعدها وزيراً للثقافة) وتمنّوا عليه بعدم السماح للعربجية بدخول الجامعة، لأنه أمر يؤذي أكاديميتهم.

لكن رئيس الجامعة المشهود له ببلاغته، كان تبنى رؤية فريدة شعارها، جامعة بلا أسوار، وأصر على عدم إقامة سور للجامعة لأنه يخالف قناعته، ولا يريد ان يفصل الجامعة عن محيطها الاجتماعي في مدينة أسيوط، ولتكن امتداداً جغرافيا لها. وقال لهم: ليس مهما ان تدخل البغال والحمير الجامعة، المهمّ هو ألا تخرج منها بشهادات جامعية»، و «مًن تحت إبطه مسلة فلتنعره».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى