أولى

التعليق السياسي

الفساد يختبئ وراء افتعال الحاجة الملحّة

تنصرف الاهتمامات في البحث عن مكامن الفساد في تلزيمات المقاولات والإنشاءات والمشاريع وهي كثيرة طبعاً. وفي الكثير منها صفقات وسمسرات وعمولات، لكنها ستبدو هزيلة أمام ما يمكن أن نكتشفه من صفقات تتمّ في اللحظة الأخيرة التي تسبق التهديد بوقوع كارثة اجتماعيّة، فيتم تمرير صفقة بمواصفات وأسعار وفي قلبها عمولات وسمسرات، تصعب العودة للتدقيق فيها، ويحكمها شعار الضرورات تبيح المحظورات.

لو نحسب كم مرّة جرى الحديث عن أزمة بنزين، لتبرير فتح اعتمادات للبواخر الراسية في المرافئ، والمختلف حول مواصفات حمولتها، فيصير الإعفاء من بنود في المواصفات مطلباً ملحاً منعاً لانقطاع هذه المادة الحيوية من الأسواق. ويعرف الخبراء أن مخالفة بند واحد قد تحدث فرقاً يعادل نصف السعر، الذي يصبح أرباحاً صافية للشركاء الذين قاموا بتغطية حجب المادة من السوق ثم تجاوز المواصفات وفتح الاعتمادات وتقاسم العائدات.

السلع الغذائيّة ليست بمنأى عن هذه القاعدة ومثلها الأدوية، والشح دائماً ليست أسبابه في ما هو معلن، من تهريب أو تهافت على الطلب، بل في حجب المادة عن السوق وما يسمّونه تعطيش السوق لترتفع الصرخة، فيخرج المستوردون ويقولون لم تفتح لنا الاعتمادات، ولا يدقق أحد بتناسب حجم الاعتمادات مع المواد التي تدخل الى الأسواق، وغالباً تكون الفوارق هائلة لصالح تهريب أموال إلى الخارج او إعادة تصدير جزء أساسي من السلع المعنية الى الخارج.

في ملف الكهرباء والفيول، نحن دائماً نشتري في اللحظة الأخيرة، تهديد بقطع الكهرباء والعتمة، أو فرض التعتيم، حتى تأتي الصرخة والبواخر موجودة في البحر وتنتظر فتح الاعتمادات، لكن لا بد من غض النظر عن المواصفات، وهنا تكمن العمولات والسمسرات.

هل يمكن لأحد أن يفسر للبنانيين كيف يمكن أن يكون لبنان قد خسر عشرة مليارات دولار في سنة، والتقدير الإجمالي للاستهلاك بكل وجوهه وفقاً للأسعار المقدرة للاستيراد هي أقل من نصف هذا المبلغ، ومن ضمنه تمويل الكهرباء، وهل يعرف اللبنانيون معنى أن يكون كل سنة هناك خمسة مليارات دولار أو أكثر تنزف من بلدهم بهذه الطريقة كل سنة ولثلاثين سنة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى