بلال شرارة… كتلة من المسؤوليّة الإنسانيّة والثقافة والشعر هَوَتْ!
جهاد أيوب
بلال شرارة هو زنابق الشعر الحامل قضية إنسان لا يعرف الكلل والتعب، واقحوان حقول شاهدة على ربيع أحلامنا مهما تأخرت…
بلال شرارة سنديانة جنوبيّة صلبة لا تعرف العيش إلا في العلالي حيث تطوِّع الريح، وتتصالح مع المطر قبل وصوله الأرض…
بلال شرارة ثقافة التين والزيتون، وطرقات وعرة توصل إلى الصبار وعناقيد العنب، توصل إلى عين الضيعة بانتظار أن ترتفع راية الدبكة والقصيدة، توصل إلى حاكورة الدار، ومروج الحقول حيث يزرع بلال الإنسان المثقف فينا من دون أن نطلب منه، لأن بلال لمّاح، فاتك البصيرة فيشاهد في الناس الموهبة وأصحاب الحاجة ما لا يجدونه أو يشاهدونه بأنفسهم، هو هذا الباحث عنا، المتدفق في خدمتنا إذا طلبناه، وإذا لم نطلبه!
بلال شرارة جب السعتر “زعتر” الحاد والحار والعذب، ولا يسكن إلا بين صخور الجنوب… سعتر الجنوب يختلف عن كل سعتر في الحقول، بطيب أوراقه، وأماكن وجوده، وطريقة عطف الأيدي السمراء عليه… سعتر الجنوب يرتوي من دماء الشهداء والمقاومين والمظلومين والمتعبين والفلاحين عبر سنيّ العمر في الأرض، وسعتر الجنوب يشهد على بطولات أهله حينما قرروا تغيير التاريخ، وستروا ثقوب التاريخ وعوراته…
وبلال شرارة من سعتر الجنوب، أكل منه حتى أصبح هو، وهو ذاك الفارس الذي لا يجامل، يقدّم رأيه الحاسم بتهذيب، ولا يجادل بقدر أن يرمي الحجة، وبسرعة يقدّم ربيع الأمكنة كأن ما حدث أصبح من الماضي فأهبوا لاستقبال المقبل…
ما من مرّة إلا وكان المبادر والأكثر تواضعاً، والناصح بحسم، والساعي للم الشمل، وللتلاقي، ولبناء جسر الصداقة الواضحة والصافية…
قد لا تتفق مع رأيه الصريح جداً، والواضح جداً، والعميق جداً، لكنك تحترم أسلوبه، وتهذيبه وطرحه، وحينما تجالسه تشعر بطفولته وكرمه وثقافته وحقول وهضاب الجنوب معه، لا تنزعج، ولا تشعر بالملل، بل تسعى إلى المزيد من مناقشة الإشكاليات التي يطرحها، والغوص بزبد الحوار!
بلال شرارة كتلة من الشعر العميق هوت، هو لا يشبه غيره لا في الشعر ولا في ثقافته ولا في كتاباته… هو حالة ثائرة، زارعة، مثمرة، وهادفة.
القصيدة عند بلال شرارة تشبهنا، تحاورنا، وتصنع منا انتفاضة داخلية بعنفوان الصمت حتى يصبح الأمر افتعالاً لتحرّك جماعيّ…
المقال والرأي والفكر عند بلال شرارة هو محيطنا، وبأن لدينا القدرة والمقدرة على أن لا نعيش الخمول كغيرنا من عرب النوم…
المواطن بلال شرارة هو كل الأمكنة التي نحب، هو المؤذن بأصوات أجراس الكنيسة، وهو الكنيسة بأجراس صوت المؤذن… هو كل الوطن من دون تناقض. أقصد يستطيع بلال أن يستوعب كل تناقضات الوطن في جلسة ولحظة وابتسامة…
الصديق بلال شرارة هو الأستاذ المحبّ والكريم، يعرض خدماته كما يقدّم ضيافته، هو صديقي أحبه وأحترمه وأعتز بمعرفته، لا، لا، كنت أفتخر بصداقته، خاصة أنه هو مَن يبادر بالسؤال، بالحاجة، بالطلب، والكتابة…
كم مرة سبقنا في السؤال، في إعجاب بمقالة، بطرح فكرة كي تشهد النور، بـ: “وينكم اشتقنالكم… وضعي الصحيّ لا يسمح لي بالخروج”!
الشاعر والمثقف بلال شرارة سيفنا في كل الأماكن، والترس المدافع، والنهر المتدفق يغذّي فروعنا وضفافنا، سنفتقدك روحاً وحرفاً وحسماً وابتسامة أبوية خاطفة.
سيفتقدك المثقف، والشعر، والكتاب، والإعلام أينما وجدوا، وأبواب ومكاتب المجلس النيابي، وحوارات عميقة فيه، والحركة الثقافيّة في لبنان حيث شرعت أبوابها لنا، وجعلتها أمّنا من دون منة!
سيفتقدك المثقف المنفتح في كل لغة الضاد وفي لبنان، وكل بيان في اتحاد الكتاب اللبنانيين!
بلال شرارة ستبقى صورك، وكلماتك، ونظراتك، وأبوّتك شمعة في كتاب حركة أمل “أفواج المقاومة اللبنانية”، وشوارع بيروت، وجبل عامل، وكل العواصم العربية والأهم فلسطين ودمشق وبغداد والقاهرة…
بلال شرارة رحلت… خسرنا الكثير في رحيلك…