أولى

إذا عادت أميركا الى الاتفاق النوويّ كيف سيكون اصطفاف القوى في المشرق العربيّ؟

 د. عصام نعمان*

مؤشراتٌ عدّة أعقبت مؤتمر فيينا الأخير ورجّحت، على ما يبدو، عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي. عودتها قد تستولد كلَ او معظم التدابير الآتية:

ـ رفعُ، بمعنى إلغاء، العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على إيران من جانب الولايات المتحدة وبعض حلفائها، والبالغ عددها نحو 1500.

ـ الإفراجُ عن أرصدة إيران المالية المحتجزة لدى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتحالفة معها.

ـ عودةُ التبادل التجاري بين إيران ومعظم دول العالم. رفعُ الحظر عن بيع الأسلحة الى إيران او استيرادها منها.

ـ استمرارُ «إسرائيل» في اعتداءاتها العسكرية على لبنان وسورية بدعوى الحؤول دون إقامة قواعد لإيران فيهما، ومنع حلفائها (تنظيمات المقاومة) من التمركز فيهما لشنّ عمليات ثأرية ضدّها.

من الطبيعي أن يتحسّب حلفاء الولايات المتحدة في دول المشرق العربي لتداعيات عودتها على جميع المستويات. حلفاء إيران، لا سيما تنظيمات المقاومة، سيتحسّبون بدورهم لتلك التداعيات. هذا التحسّب المزدوج لدى الطرفين المتقابلين سيؤدي، على الأرجح، الى تشكيل اصطفاف إقليميّ جديد للقوى في المنطقة.

 ما معالمه الرئيسة المحتملة؟

 من الواضح أنّ مصر هي أوّل المتحسّبين وبالتالي المسارعين الى مواجهة محور المقاومة المكوّن من إيران وسورية وتنظيمات المقاومة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة. فقد بادرت الى إيفاد وزير خارجيتها سامح شكري الى لبنان لشدّ أزر الحلفاء المحليين للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. مثلها، وللغاية نفسها، فعلت جامعة الدول العربية بإيفادها نائب أمينها العام حسام زكي. هكذا بات رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري متأكداً بأنّ معظم دول وادي النيل والخليج تؤازره وحلفاءه في سياسته، وخصوصاً في مسألة تشكيل حكومةٍ جديدة يُستبعَد منها حزب الله.

 الى ذلك، تسعى القاهرة الى بناء تحالف متماسك على مستوى الإقليم لمواجهة محور المقاومة. التحالف المرتجى مكوّن من مصر والسودان حاليّاً، بالإضافة الى الأردن والعراق لاحقاً. معلّقون سياسيون ووسائل إعلام في الكيان الصهيوني أشارت الى دعمٍ من بعض دول الخليج لمصر في مسعاها هذا. في هذا السياق، يمكن تفسير الغاية من إيفاد القاهرة وزير خارجيتها الى لبنان، كما مغزى قيام حكومة مصطفى الكاظمي، المنهمكة بتعزيز العلاقات العراقية – السعودية، بتأجيل اجتماع وزاري على مستوى عالٍ بين لبنان والعراق كان سينعقد في 17 نيسان/ ابريل الحالي لتوقيع اتفاق للتعاون النفطي والصحي بين البلدين.

ما ردُّ أطراف محور المقاومة على مساعي المحور المقابل وحلفائه؟

من الواضح انّ تنظيمات المقاومة في العراق، لا سيما «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، تركّز نشاطها في الوقت الحاضر على ضرب أرتال القوات الأميركية المتحركة لحمل واشنطن على تسريع انسحابها من بلاد الرافدين تنفيذاً لقرار البرلمان العراقي. غنيّ عن البيان أنّ تنظيمات المقاومة تلك تتلقى دعماً ملحوظاً من إيران، والأرجح أن يستمرّ هذا الدعم حتى بعد عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي.

 في لبنان، تُفاضل القوى السياسية المتحالفة مع محور المقاومة بين خيارين:

ـ المثابرة في دعم المساعي الهادفة الى تأليف حكومة متوازنة برئاسة سعد الحريري لمواجهة الأزمة المعيشية الخانقة، وتفعيل التحقيق الجنائي في كارثة تفجير مرفأ بيروت، والأموال العامة المنهوبة، وترسيخ الأمن والاستقرار. هذه المساعي لا تلقى تجاوباً مقنعاً نتيجةَ السخط الشعبي العام على المنظومة الحاكمة.

ـ مواجهة الهجوم الصهيوأميركي المتواصل على أطراف محور المقاومة وحلفائه باللجوء الى هجوم سياسي مضاد قوامه اعتماد الأكثرية التي يملكها تحالف التيار الوطني الحر (عون)، وتحالف حركة أمل (بري) وحزب الله (حسن نصرالله)، وحركة المردة (فرنجية)، وأحزاب القومي الاجتماعي والبعث والاتحاد (عبد الرحيم مراد) الذين يحتلون مجتمعين لا أقلّ من 65 مقعداً في البرلمان ما يمكّنهم من تأليف حكومة وطنية متوازنة برئاسة سعد الحريري، أو غيره، تتولى مواجهة التحديات والاستحقاقات المنوّه بها آنفاً (في الخيار الاول) وتبادر الى اعتماد سياسة التوجّه شرقاً، بمعنى التعاون سياسياً واقتصادياً مع سورية والعراق وإيران وروسيا والصين، والتنسيق عسكرياً مع أطراف محور المقاومة لمواجهة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المدعومة أميركياً.

 في مرحلة المفاضلة البطيئة بين الخيارين المنوّه بهما آنفاً التي تقوم بها القوى السياسية المتحالفة مع اطراف محور المقاومة، سيبقى المشهد اللبناني على حاله مراوحاً في المزيد من الشيء نفسه: الضائقة المعيشية، والفساد المتفاقم في القطاعين العام والخاص، والتجاذب السياسي اللامجدي، والاضطراب الأمني المتنامي. غير انه يُخشى، إذا ما استمرّ المشهد اللبناني على حاله، ان تعمّ البلاد فوضى شاملة تُفضي الى قيام كلٍّ من القوى الوازنة المتنفذة بالسيطرة السياسية والأمنية على المناطق التي تحظى فيها بأكثرية أهلية وازنة. بذلك يتحوّل لبنان، لا سمح الله، الى جمهورية كونفدرالية لا حول لها ولا طول، بل إلى مجرد عبء ثقيل وخطر مصيري يتهددان لبنان واللبنانيين جميعاً بالانهيار والاندثار.

 متى يتوقّف اللبنانيون (والعرب!) عن ممارسة نزوة الانتحار الدوري المجاني؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى