الوطن

هيل يناقش حكومة الممكن؟

} د. وفيق إبراهيم

يذهب الأميركيون مجدّداً نحو توفير الحد الأدنى اللبناني – «الإسرائيلي» انطلاقاً من الحدود الجنوبيّة وعلى اعتبار أن هذا الممكن ليس صعباً. فـ«إسرائيل» ليست متعذّرة للتوصل الى اتفاق مع لبنان يقوم كالعادة على إبعاد سورية ودفع إيران نحو اتجاهات تجعل من المتعذّر عقد اتفاقات بينها وبين الصين وروسيا.

إنها صراعات دولية عميقة يعمل المسؤول الأميركي هيل على التأسيس لها على اساس ضبط الحلف الروسي – الصيني – الإيراني وهو الحلف الممكن أن يؤدي دوراً عالمياً فعلياً من أفغانستان الى الخليج.

ما يبدو حالياً أن الأميركيين عاكفون على صناعة أدوار أفغانية للولايات المتحدة مضافة اليها أدوارٌ عراقية وخليجية الى جانب إبعاد إيران وسورية عن أدوار أساسية ودفع مصر الى التمكن من أدوار جديدة عبر جامعة الدول العربية.

وهذا يحتاج بالطبع الى أدوار لبنانية عبر بناء صيغة جديدة يمسك بها عون بالتعاون مع الفرنسيين وبدعم أميركي وموافقات إسرائيلية.

ماذا يتطلب الأمر؟

اتفاق لبناني –« إسرائيلي» عند المنطقة الجنوبيّة مع اتفاق لبناني سوري عند الحدود مع سورية على خط نزاع يزيد عن 2300 كلم وربما أكثر.

فهل يستطيع لبنان التمركز عند هذه الخطوط؟ بوسعه تأدية هذه الأدوار وجعل لبنان مستفيداً من خطوط غاز ونفط على طول آلاف الكيلومترات بما يمنحه قوة نفط وغاز هائلة، وهذا يضفي عليه علاقات دوليّة تبدأ من السعودية والعراق وتجتاز السعودية وجزيرة العرب. وهذا يؤكد أن لبنان بلد موهوب له المقدرة على الاستفادة من العلاقات الاقتصادية مع جزيرة العرب بالإضافة الى العلاقات النفطية العميقة مع كل من الحدود السورية وأخرى مع فلسطين المحتلة.

إلى ماذا يحتاج لبنان حتى يتوصل الى هذه المزايا؟

يعمل هيل على إنتاج صيغة سياسية لبنانية يتربّع فيها الموارنة على الإمساك بالصيغة اللبنانية السياسية التاريخية الى جانب اشتراك سني طفيف يحاول سعد الحريري التأسيس له بمحاولات متنوّعة.

فلبنان اليوم غير ممكن، أية قيامة له من دون تنوّع ماروني – سني – شيعي يقوم بين الأنقاض مؤسساً لصيغة سياسية متنوّعة قد لا تكون إيرانية – سورية، لكنها لن تعمل ضدهما، فهذا هو التاريخ الذي يؤكد ان المنطقة بأسرها ليست عاملة في سبيل الأميركيين وقد تؤدي دور تسوية لا تطرد إيران او سورية من لبنان وسورية، ومحاولات الأميركيين طرد السوريين من شرق الفرات والبوكمال هي محاولات فارغة لا تنتج ما يريده الأميركيون، خصوصاً في مناطق شرق سورية. فالصراع الروسي – الأميركي هو صراع مفتوح على شرق سورية وأفغانستان وإيران وقد يقتحم لبنان خصوصاً بعد الاتصالات العميقة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين واللبناني ميشال عون، فالموضوع اللبناني ليس حكراً على الأميركي او الفرنسي وهو مؤهل للاتساع شاملاً الخطوط البحرية والعلاقات الاقتصادية بشكل يؤدي فيه دور الصيغة التي يؤيدها الفرنسيون والأميركيون.

ما هو المطلوب اذاً؟

يعمل الروس والفرنسيون والأميركيون على تشكيل حكومة لبنانية جديدة تستوعب الأطراف اللبنانية من جماعات عون وجعجع وجنبلاط والرئيس نبيه بري وربما حزب الله. وهذا يؤدي الى صيغة لبنانية متماسكة يرعاها العماد عون بالاتفاق مع صهره جبران باسيل وعلى أساس انفتاح لبناني كبير على العالم العربي.

لكن المشكلة ان سورية لا تريد اتفاقاً شمالياً مع لبنان من دون اتفاق فعليّ يصل الى تقسيم فعلي للغاز والنفط، ويصل الى ثروات الغاز الكبيرة في شرق الفرات. وهذا ما لا يريده الأميركيون.

المعركة اذاً هي أميركية روسية سورية إيرانية والدليل أن الأميركيين يلعبون في كل الاتجاهات عبر الاستعانة بالإسرائيليين عاملين على مسألتين تعطيل الدور الإيراني والحد من الإمكانات السورية وربط لبنان بأكبر قدر ممكن من الاتصالات الروسية. فهل تنجح روسيا في ربط لبنان؟ هذا ممكن خصوصاً أن الصراع الروسي الأميركي يزداد شراسة وعنفاً وان الدور الخليجي لا يجد مكانة معقولة للتعبير عن الأهمية النفطية والغازية للخليج. فالنفط بدأ يتراجع لأسباب عدة: الأهمية الأميركية للنفط الأميركي مع الغاز وهذا خطير لأن الأميركيين يريدون المجيء الى اوروبا. وهذا غير ممكن إلا على حساب النفط الخليجي، كما أن الدور التركي آخذ بالنفاد من خطوط انطلاقه الروسيّة للأسباب عينها.

فهل هذا يعني أن الخليج ذاهب الى ضمور كبير؟ نعم إنه متمسّك بالانكماش لأن النفط العالمي يزداد اتساعاً وروسيا هي المثل الساطع التي تمتلك كميات كبيرة من الغاز والنفط تريد تصديرها الى اوروبا، كما ان الصراع على البحر المتوسط يزداد اتساعاً بشكل تظهر فيه ليبيا جوهرة هذا البحر الى جانب بلدان أوروبا الساعية الى الإمساك به مع اليونان وقبرص ومصر و»إسرائيل» وتركيا وبلدان أخرى.

هل ينفجر الصراع على المتوسط؟ انه ذاهب الى هذه المرحلة باعتبار أن المتوسط هو البحر الذي ينتظر انفجار المعارك الإسرائيلية العربيّة التركيّة اليونانية فيما روسيا واميركا هما من يديران المعركة بمشاركة أوروبية.

لبنان اذاً ينتظر حكومته الجديدة برعاية عون وفرنسا وأميركا وروسيا. وهي حكومة يعتقد البعض أنها قادرة على صناعة الأمن الاقتصادي لبلد شديد الإفلاس ويحتاج لكل شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى