أخيرةثقافة وفنون

نوع من الكرز زهره أبيض وثمره ذهبيّ

} داني شربل*

مع كل تغيير في الحياة هناك موت وولادة جديدة. موت عن قديم كن!ا قد عرفناه وولادة جديدة لشيء نجهله. إن التحديات التي يطرحها علينا التغيير تضعنا في مواجهة مع معتقداتنا القديمة المطبوعة في أذهاننا وفي لاوعينا، لكي نتخلى عنها علينا أن نخوض طقس العبور هذا.

إن القلق والصراع النفسي الداخلي هو إشارة لشيء ما يحصل داخل النظام النفسي. هناك رغبة داخلية دفينة بالتغيير والتوافق مع العوامل الجديدة التي ظهرت مؤخراً في الحياة، إن الظروف تتغيّر والوقت كذلك والعمر. فما نحتاجه هو تلك المرونة النفسيّة التي تمكننا من خلق أنماط  تفكير جديدة تساعدنا في التأقلم.

 إن القلق والخوف والغضب وبعض العوارض النفسجسميّة كوجع الرأس وسرعة دقات القلب وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكورتيزول في الجسم  يجب أن تكون علامات بارزة بالنسبة لنا. فما يختبئ وراء كل ذلك  عاملان مهمان:

العامل الأول هو أحداث ومشاعر  مخفيّة عن مسرح الوعي تريد أن تظهر وتعبر عن ذاتها.

والعامل الثاني هو الرغبة بتغيير تلك المعتقدات القديمة المرتبطة بتلك الأحداث وعبور ذلك الطريق الى حياة أكثر وعياً وأكثر حرية ونضجاً.

في هذا الإطار  يقول عالم النفس ويليام جيمس إن تلك الرغبة بالتغيير تكفي  كي تحل مشكلات العصابيّة وتفتح عيوننا نحو آفاق جديدة.

التغيير هو من سمات الحياة، تعلّمنا الطبيعة في فلسفتها أعمق التجارب. أن حبة القمح الصغيرة في التراب تتخلّى عن عناصرها القديمة التي كانت قد انبثقت عنها وتدخل في صراع كبيرمع العناصر الخارجيّة المحيطة بها في التراب كي تتحوّل فيما بعد لكائن جديد يرتفع نحو الشمس بحريّة وأفق جديد.

إن المدرسة السلوكيّة المعرفيّة في علم النفس تركز على أهمية التغيير على صعيد المعتقدات القديمة، فتبديل أنماط التفكير بأنماط تفكير جديدة يكفي وحده في التأثير على السلوك وما يصاحبه من مشاعر.

إننا كتلك البذرة في التراب التي تتخلّى عن العوامل القديمة التي كوّنتها لتتحوّل الى عنصر جديد.

تتحدث بعض الأساطير القديمة كأسطورة كريشنا الهندوسية وأوزيريس المصرية عن الموت والانبعاث من جديد، وما يصاحب ذلك من طقس عبور من الظلمة الى النور ومن الموت الى الحياة.

فالتجدد والتغيير هو من سمات الحياة موجود في أعمق التجارب في الطبيعة، كما في الميثولوجيات القديمة والفلسفات الغابرة في القدم.

هناك أربعة عوامل مهمة تساعد الإنسان  في عملية العبور تلك هي:

– الانفتاح والمرونة.

– الوعي العاطفيّ والحسيّ.

– صديق حميم.

– العلاج النفسي أو كتابة يوميّات.

تعتبر تلك العوامل الأرض الخصبة للتغيير والتحوّل كالأرض الخصبة لتلك البذرة في التراب.

في كتابه (مبادئ في علم النفس) يقول ويليام جيمس الإنسان وهب القدرة على إحداث تغيير في حياته الخارجية إذا ما استطاع أن يبدّل في مواقفه الداخلية. فلتكن لدينا الجرأة في التغيير، فتلك الرغبة مستمدّة أيضاً من لاوعينا الجماعي وموجودة في جيناتنا وتاريخنا البشري. والصراع هو عامل طبيعي أيضاً ومسار مهم في عملية التغيير.

الشجرة في الشتاء تتخلى عن بعض أغصانها لكي تزهر في الربيع أغصاناً أقوى وأجمل. هكذا نحن نتخلى عن أنماط تفكيرنا القديمة كي نحدث تبديلاً في حياتنا مبنياً على أنماط تفكير جديدة  صحيّة ذات معنى يكون لها صدى إيجابيّ على صحتنا العقلية والجسدية، فلن نحرز تقدماً أو تطوراً في الحياة ما لم نغيّر في معتقداتنا وطرق تفكيرنا.

*باحث نفسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى