أخيرة

نافذة ضوء

الله ليس بحاجة لأحد والكل بحاجة اليه
ولكن لا يلبي حاجة إلا من اعتمد على نفسه

‭}‬ يوسف المسمار*
خرافيٌّ وهميّ الى أبعد ما تكون الخرافة والوهم من يعتقد أن الله لم يكن موجوداً ولا معروفاً قبل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.
ومخطئ مخطئ الى أقصى ما يكون الخطأ من يعتبر أن هذه الأسماء هيَ التي ثبّتت وجود الله في العالم وهي التي ثبّتت معرفة الله بين الناس شعوباً وأمماً.
وغبيٌّ غبيّ أيضاً من يعتقد أن الله عاجزٌ عن إثبات نفسه بدون أولئك الأنبياء والرسل وهو الذي إذا أراد شيئاً كان الشيء كائناً بمشيئته من غير أن يقول له كن ليكون.
وكاذب كاذب أيضاً وأيضاً من يظن أن الله فقيرٌ وبحاجة الى من يدافع عنه، والى أحد يعينه ويشدّ أزره من ملائكةً أو رسل أو أنبياء أو أئمة أو أشخاص وهو القائل الصادق:
« ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض جميعاً… ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة».
إن الذين يحتكرون الكلام باسم الله ويعتقدون انه اصطفاهم من دون غيرهم وفوّضهم وأعطاهم وكالة دائمة، غير خاضعة لإعادة النظر والتعديل والتغيير والاستئناف والنقض والإلغاء من أجل تمثيله والتعبير عن إرادته والكلام باسمه والتصرّف دون حسيب او رقيب هم مرضى جنون العظمة العاصي على أي علاج وتطبيب، ومن المحال علاجهم ومداواتهم الا باستئصالهم واجتثاثهم مادة وروحاً من الوجود.
ان التعاليم الصالحة وخاصة تعاليم وآيات الإنجيل والقرآن الروحية الراقية السامية ليست شربة ماء أو مضغة هُدى او كأس عصير أو حليب ولا هي رشفة قهوة أو حبة دواء إذا تناولها المرء اصبح بعد تناولها سيّد الفكر، ومرشد الناس، والإمام التقي ولا النبي المعصوم، الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، ولا من فوقه ولا من تحته، ولا من داخله ولا من سائر جوانبه. ولا هي أيضاً كلمة سر ومفتاح أو رمز الكتروني يتحكم به المرء بفتح واغلاق وتغيير وتبديل اجهزة اسرار المعارف والعلوم وما شابه. بل إن حفظ بعض الآيات والأمثال والحِكَم والأقوال النادرة واجترارها وتكرارها وترديدها في كل المناسبات أمام الناس دون العمل بها وممارستها وعيشها حياةً وحقاً وإخلاصاً لا يجعل من مردّدها إماماً وقائداً ومفوّضاً إلهياً تجب طاعته والعمل بما يطرأ في ذهنه من هوس ووساوس، وآراء وفتاوى وأوامر ونواهٍ، ومزاعم وتخرّصات وبما يتردد على لسانه من هلوسات السكارى، ودندنات المعتوهين، وتأتآت الخرفانين.
التعاليم الراقية وعي وممارسة وليست اجترارا
معظم الناس يحبون الأنبياء والحكماء والصالحين، ولكنهم لا يعملون بتعاليم الأنبياء، ولا بحكمة الحكماء، ولا بأفعال الصالحين لأن الحب الكاذب لا يمكن أن يعتبر حباً. والادعاء الفارغ ليس حقيقة. والعشق المسموم ليس إلا سماً. وكم كان الإمام عليّ بن أبي طالب حكيماً وبليغاً حين قال:
«الناس ثلاثة. فعالم ربّاني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح…».
لقد استطاع رسول المحبة الى العالم يسوع طوال حياته على الأرض أن يؤهل اثني عشر شخصاً ليحمّلهم رسالته العظيمة من بعده، فخانه واحد منهم وتنكر له البعض عند أول امتحان، وجبُن الآخرون. فهل يمكننا التصديق ان مليارات المسيحيين اليسوعيين اليوم في العالم هم حقاً يعيشون المحبة التي أرادها وسعى الى تجذيرها في قلوب الناس ذلك الرسول العظيم؟
وكذلك فإن رسول الرحمة الى الناس محمّد لم يتمكن من تحضّير أكثر من ستة عشر شخصاً مؤمنا في المرحلة الأولى من دعوته اضطر الى إرسالهم الى بلاد الحبشة، حيث كان يوجد ملك عادل لكي يجنّبهم خطر الموت، ولم يتمكن النبي بعد ذلك في المرحلة الثانية من حياته ونضاله الطويل المليء بالأذى والعذاب وكل مظاهر الازدراء والاحتقار والشتائم، وأخيراً مؤامرة القتل بالسم، أن يجمع أكثر من ثلاثة وثمانين شخصاً رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً أجبر على الهجرة متخفياً بهم من مكة الى المدينة تاركاً خلفه الفتى علي بن أبي طالب الذي لولا عناية الله العظيم لقُطّع إرباً إربا ونتفأ نتفا بسيوف متوحشي القبائل والعشائر وأفخاذ وأسر جاهليات الأعراب.
فهل حقاً يمكننا الاقتناع أن أكثر من مليار ونصف المليار من ناس هذا الزمن هم بالفعل مسلمون لرب العالمين وأوفياء لتعاليم رسول الرحمة الأمين؟

*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى