أخيرة

نافذة ضوء

وحدها الأمم القويّة بمأمن من الخطر

يوسف المسمار*

 ويبقى السؤال يدوّي ويهدر ويتردّد في نفوس أبناء مجتمعنا: لماذا تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

وهذا السؤال يصل بنا الى سؤال الاستهجان العظيم: ألم يكفِ ما أصاب ويصيب أعضاء هذا الحزب من مرارة العيش، وظلم الأقربين والأبعدين، وما ينتظرهم من أهوال العذاب والآلام والشقاء؟

لقد تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي من أجل غرض كبير مهم، وهذا الغرض هو غاية الحزب المذكورة في المادة الأولى من دستوره، والتي لا تتحقق وتتم الا بتحقيق هدفين أساسيين وعلى مرحلتين:

أولاً: بعث نهضة في سورية تستعيد بها الأمة حيويتها وقوتها وتحتل بها مكانها اللائق بين الأمم الحيّة الناهضة.

ثانياً: السعي والعمل والصراع لإنشاء جبهة عربية قوية تكون سداً منيعاً في وجه المطامع العدوانية الخارجية، بحيث لا يستفرد بعدها أيّ شعب من شعوب عالمنا العربي لا في حالة مجابهة حرب، ولا في حالة فرض أي نوع من أنواع سلم القهر والاستسلام.

وبديهي أن الهدف الثاني لا يمكن تحقيقه الا بعد تحقيق الهدف الأول الذي يعني إحداث نهضة في مجتمع بلاد الشام والرافدين، وكذلك في سائر مجتمعات العالم العربي فننقذ أمتنا من حالة العجز والضعف والانهيار التي هي عليها الى حالة القوة والمنعة والمناعة التي تمكنها من القيام بمهمتها العربية وأداء رسالتها في تحقيق وحدة العرب في جبهة المناعة العربية التي تصبح بدورها سداً منيعاً في وجه المطامع الاستعمارية من جهة، وقوة حقيقيّة لتحسين ورفع مستوى شعوبنا من جهة ثانية، فنتمكن بذلك من المساهمة والمشاركة في أعمال تحسين أحوال الأمم الضعيفة المظلومة، وتأسيس بنيان العالم الحضاري مادياً وروحياً الذي نحن جزء منه، ويجب أن نكون قوةً فاعلةً فيه.

ولهذا فإن عمل التأسيس المتين للخلاص من البلبلة والاضطراب والشك الى الوضوح والتعيين واليقين كان ولا يزال وسيبقى مستمراً الى أن يستقيم أمر هذه الأمة بيقظتها الشاملة، واستعادة ثقة ابنائها بها وبانتصارها، وبانعتاقهم من مفاهيم ضلال عهود الجهل والجاهلية، والتخلف والانحطاط، والويل والذل لينطلقوا على هدى العقل السليم المتفتّح المنفتح الذي ليس لقدرته على الإدراك والفعل والتمييز والاكتشاف والخلق حدود.

لقد تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي لتحقيق نهضة الأمة السورية القوية الساعية لتحقيق جبهتها العربية المنيعة، لأن في تحقيق قوة الأمة السورية ومناعة ومنعة جبهتها العربية تتم أولى مراحل التأسيس العظيم الذي أقسمنا نساءً ورجالاً بكامل وعينا وإرادتنا واختيارنا وحريتنا على تحقيقه مهما عظمت الصعوبات، وتراكمت النكبات، وغلت التضحيات والعطاءات.

إن الأمم القويّة الناهضة المنيعة هي وحدها بمأمن من كل خطر. فلا يغتصب أرضها طامع، ولا يشرّد أبناءها عدوّ، ولا يعتدي على حقوقها متغطرس، ولا يُفرض عليها قرار يناقض مصالحها ويعطل تحقيق مقاصدها وأهدافها في التقدم والرقي.

وعالم الغاب الذي نعيش في زمانه لا مكان فيه ولا كرامة إلا للأقوياء «فالقوة هي القول الفصل في إحقاق الحق القوميّ أو إنكاره»، كما قال أنطون سعاده مؤسس هذا الحزب.

فإذا لم تكن أمتنا السورية على القدر الكافي من القوة، وإذا لم تكن جبهتها العربية على المستوى الكافي من المناعة والمنعة، فإننا نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي أبناء الأمة الأوفياء الذين استيقظت فيهم عوامل حيوية الأمة وانتعاشها وقوتها، وانتصرت فيهم عوامل مناعة الأمة وشموخها الحضاريّ، لن نتنازل عن إنقاذ شرف الأمة ورفع جبينها وجبهتها العربية حتى لو بقينا وحيدين وحتى لو تراكمت جثثنا على طريق الحياة والعز لتكون سلماً للأجيال الآتية تطؤها الى النصر والمجد.

إن المهمة الكبرى هي إيقاظ الأمة من غفوتها، وإنقاذها من كل حالات الخنوع والاستسلام، وجعلها صاحبة السيادة على نفسها وأرضها.

ففي كل يوم، ومع كل حدث، تتوضح أكثر وأكثر لأبناء شعبنا صحة عقيدتنا، وسلامة رؤيتنا، وصدق أعمالنا، وتنهار جدران الأباطيل التي أقامتها الإرادات العدوانيّة الخارجيّة بمساعدة الجهلة والأغبياء والخونة من أبناء أمتنا لتمنعنا من الوصول الى ابناء شعبنا وتمنع الشعب من سماع صوتنا الحامل إليه حقائق الحياة والقوة، وأسباب المنعة والمناعة، وعدة العز والرقي والنصر.

إن الأمة أعطتنا تفويضاً واحداً وحيداً فقط لا ثاني له، ثابتاً لا تعديل له، دائماً بلا تبديل وتغيير ينطوي على العمل فقط من أجل بعث حيويتها وتنشيط همّتها، وتحقيق قوّتها ومناعتها وتقدّمها، والحفاظ على حقوقها ومكانتها وشأنها، والتضحية والفداء في سبيل عزتها.

ولأن هذا التفويض بهذه الخطورة والأهميّة فإن الحرام الحرام الحرام في مفهومنا هو التنازل عن شبر واحد من أرضها، أو التقاعس عن نصرة مظلوم واحد من أبنائها، أو الاستهتار بمقدار ذرة واحدة من حقوقها، أو القبول بأدنى قرار يُفرض عليها، أو التهاون ولو بجزءٍ يسير في موقفها الحيويّ الثابت من رسالتها الى عالمها العربي، وتحمّل مسؤولية حماية مصالحه، والدفاع عن قضاياه، ورفع مكانته الى أعلى وأعظم ما تتمناه وتحلم به نفوسنا العظيمة.

إن السلام في نظرنا هو أن يسلّم الآخرون، أصدقاء وأعداء، بسيادتنا على أنفسنا ووطننا، وبحقنا في تقرير مصيرنا، وأن يحترموا هذه الحقوق.

ولذلك لن يكون في العالم سلام ما دام لنا حق غير مسلّم به وغير محترم.

*باحث وشاعر قوميّ

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى