الوطن

ما الذي قد يكون خلف الانفتاح الروسي على لبنان؟

} نزار عثمان

بعد زيارة وفد حزب الله إلى روسيا الاتحادية، والذي تبعه زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وما خرج عن هاتين الزيارتين من نتائج، وما أعلن عن عزم شخصيات سياسية لبنانية زيارة موسكو في الآتي من الأيام، تطرح التساؤلات التالية: ما السر وراء سعي موسكو لهذا الانفتاح على الشأن اللبناني في هذه الآونة بالذات، مع ما تشهده روسيا من تحديات على أكثر من ساحة دولية لعل أبرزها ما يجري مع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، والتحشيد العسكري المتبادل بينها من جهة وبين الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟

ثم وبخصوص لبنان، وعلى ما هو معلوم أنّ الدعوة التي أطلقها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الانفتاح على الشرق، قد ووجهت بنوع من فتور الهمة لدى بعض حلفاء محور المقاومة، لأسباب مرتبطة برأيهم بطبيعة لبنان وعلاقته مع الغرب لا سيما الولايات المتحدة، بالإضافة لرفضها من قبل خصوم حزب الله، هل من شيء ما تغيّر في هذا الإطار حتى يجد المراقب أنّ الوفود تتسابق إلى روسيا، والعين لا تشيح البصر عنها؟

ثم… ومع ما يعانيه لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، ومع تدخلات الولايات المتحدة بهذا الشكل غير المسبوق بصفاقته ووقاحته ووضوحه، وتأليبها بعض اللبنانيين على بعضهم الآخر، ودعمها الذي تجاوز المليارات من الدولارات سعياً لتغيير المعادلات السياسية الداخلية، لأهداف ليس أقلها دعم القوى المناوئة لحزب الله، وليس أكثرها التمهيد لنوع مما قد يكون الطريق لطرح التطبيع مع «إسرائيل»، بهذا، هل ستسمح واشنطن لروسيا بأخذ دور في الشأن اللبناني؟ وبالتالي ما هو مستقبل هذا البلد ان بات حاله يشكل مسرحاً لتجاذبات، إنْ لم نقل صراعات بين دول عظمى لها أجنداتها وأهدافها المعلنة والمبطنة؟

في البداية، من المعلوم أنه كان لروسيا منذ ما قبل تاريخ نشوب الأزمة السورية، محاولات لمدّ يد التعاون والمساندة للبنان، في صفقة طائرات الميغ 29، التي لم تتمّ عام 2008، على سبيل المثال لا الحصر. أما موقفها من قوى المقاومة وعلى رأسها حزب الله، فيمكن قراءته على لسان السفير الروسي السابق في لبنان ألكسندر زاسيبكين، معبّراً عن رأي حكومته وسياساتها في ما خص الشأن اللبناني، حيث اعتبر عام 2017 «أنّ مطلب السعودية إبعاد حزب الله عن الحكومة اللبنانية غير وارد، ولا داعي للتعليق عليه» مشيراً إلى أنّ «مشاركة الحزب في مواجهة الإرهاب والتصدي للحرب على سورية، هي تلبية لدعوة السلطات الرسمية». أما في ما يعني موقف بلاده من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وتفرضها على كيانات وشخصيات لبنانية، فلم يخف السفير الروسي امتعاضه  من اتخاذ الولايات المتحدة عقوبات مالية ضدّ حزب الله، معتبرا أنّ هذا الأمر مقلق «ونحن ضدّ تجربة العقوبات في أيّ مكان». أما وحيال ما قد يقرأ من ميل روسي باتجاه طرف إلى آخر، يمكن استقراء موقف موسكو من السفير الروسي زاسيبكين أيضاً، حيث اعتبر بتاريخ 21/2/2019 من خلال مقابلة تلفزيونية، «أنّ العلاقات اللبنانية – الروسية تتطوّر، وأصبحت تقليدية ومتساوية مع الجميع»، ويضيف «إلا أنه تبقى العلاقة أقرب مع من تتطابق وجهات نظرهم معنا حيال ملفات المنطقة، وأبعد حيال من لا تتطابق». أما عن الموقف من الصراع العربي – «الإسرائيلي» فيمكننا أخذ كلمة راسيبكين التي ساقها في المقابلة نفسها «لسنا في محور المقاومة، لكننا وسطاء بعملية السلام».

وخلال العقد الماضي شهدت العلاقات الروسية – اللبنانية مجالاً لتطوّر لم يقتصر كما كان على التبادلات التجارية المحدودة فقط، بل تجاوزه ليتخذ حيّزاً من الأهمية في ملفات كان من أبرزها عودة اللاجئين السوريين والغاز والنفط والتعاون العسكري، الأمر الذي مهّد لموسكو التواصل مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية.

نأتي الآن الى محاور الاستفهامات المطروحة آنفاً، والتي يمكن حصرها أولاً بعنوان العلاقة المأزومة بين روسيا والولايات المتحدة، واتخاذ هذه العلاقة شكل الصراع كان منها لبنان لموقعه الجغرافي، التي ينبع منها عدة مسائل منها الغاز في شرق المتوسط، والحزام والطريق الصيني، والعداء بين لبنان وسورية – امتداداً وعمقاً – وبين «إسرائيل»، وطبيعة علاقة الولايات المتحدة مع بعض الأفرقاء والأحزاب والتيارات والمؤسسات والجمعيات اللبنانية، ومدى تأثيرهم على سير الأحداث والشأن العام اللبنانيين.

يبرز بداية غاز المتوسط كعنوان يقود موسكو لنيل حصتها من هذه الكعكة، وهي التي يوجد لها شركات تنقيب في هذه البقعة، وعليه، فقد يلعب تطوّر المحور الذي يتشكل من منتدى دول شرق المتوسط دوراً في هذا الحث الروسي لاتخاذ خطوات تنقلها من حيّز الحذر في ما خص تطوير وتوسيع دائرة لعبها وتأثيرها في هذه المنطقة كي تشمل لبنان وربما غيره من الدول في المنطقة.

ثم وأخذاً بالتوترات المأزومة في شؤون القرم واوكرانيا، قد يتبلور عنوان يتمثل بمحاولة موسكو التوسع في مدى تأثيرها، لكسب أوراق في شرق المتوسط تساهم بمدى فاعليتها في اللعبة الدولية، واستخدام تواجدها في لبنان بعد سورية كورقة قوة تساعدها في الضغوط والتوازنات في اللعبة الدولية وعلى مسرح الأحداث.

بعدها إنْ أخذنا زيارات وفود خليجية أبرزها زيارة وزيري خارجية قطر والإمارات كلّ على حدة، منذ أشهر إلى موسكو، وطلبهم إليها المساهمة بخلق أرضية للحوار بين الأطراف المتنازعة في الخليج الفارسي، تبرز رغبة روسية بتوسيع بيكار تأثيرها لما قد يمثل خليج آخر، أعني به شرق المتوسط لضمان نفوذها في المنطقة، وللمساهمة في حفظ تزويدها أوروبا بالغاز، قبل أن يحلّ منتدى غاز المتوسط مكانها بهذا الأمر، ومن الجدير ذكره أنّ الرئيس بوتين حين كان رئيساً لوزراء روسيا أظهر تمنّعه عام 2010 عن مدّ الغاز من خط «بلو ستريم 2» الذي يمرّ عبر تركيا لتزويد «إسرائيل» به. بهذا فالإشكالية الروسية من أن تحلّ تركيا أو إيطاليا ممراً بديلاً عن موسكو في تزويد أوروبا بالغاز قد يشكل بطريقة أو بأخرى هاجساً روسياً منذ أكثر من عقد، وقد يملي على موسكو القيام بسياسات تحمي مصالحها في ما خص هذا الشأن.

بعدها يأتي خط الحزام والطريق والذي يمرّ على حدود روسيا في وسط آسيا، ويمرّ حكماً في شرق المتوسط، وعليه فمن مصلحة روسيا أن يكون لها نفوذ معيّن في خط سيره. بعدها ما قد يكون سعي موسكو لتأمين الحماية للحديقة الخلفية لسورية، أعني لبنان، خصوصاً أمام ما يظهر من محاولات إحياء الأطراف الإرهابية في المنطقة.

بعدها، وأمام ما يبدو من مفاعيل بعيدة او متوسطة المدى لحالة التطبيع وما تمخضت عنه من سعي لإنشاء تحالف «إسرائيلي» عربي تطبيعي، وما يؤثر فيه من سيطرة ومدّ نفوذ صهيونيين على تلك المنطقة، وما قد يترتب عليه مما قد يكون تعاظم قدرات الكيان الصهيوني، يبدو السعي الروسي لإيجاد موطئ قدم ثابت في المنطقة أكثر من ضروري. فضلاً عن أمور أخرى.

أما بالنسبة للأفرقاء اللبنانيين، وما يتنازعهم مما قد يصحّ وصفه بالولاءات لدول خارجية، هل تجد روسيا طرفاً يمكن أن تتكئ عليه في مدّ نفوذها في لبنان؟ يبدو اليوم انّ لبنان الذي عبّر رئيس حكومته حسان دياب بأنه «على شفير الانهيار»، يبدو في حالة لا تسمح له بالاختيار، بل لعلّ الحال فيه أشبه بالغريق الذي يتمسك بقشة، فمهما ومن كان يمدّ يده بالمساعدة يجد عند اللبنانيين على اختلافهم صدى وتجاوباً.

وعليه، وفي ساحة تنشط فيها الصراعات الخارجية، مشفوعة بزخم طائفي، وانشقاقات تلبّي بطريقة أو بأخرى طموحات دول عربية وأجنبية، هل يصلح التدخل الروسي الحالي ما أفسده الدهر؟ وهل تنجح مبادرة روسية قد تكون في الأفق حيث فشلت المبادرة الفرنسية؟ تساؤلات بعهدة الآتي من الأيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى