أخيرة

د. كاميليا أبو جبل لـ «البناء»: العدو يشوّه الإرث التاريخي والثقافي في الجولان المحتلّ ولم يوفر وسيلة لتهويد الأرض… والتوعية ضرورة لتحفيز الأجيال على معرفة تاريخها

عبير حمدان

لم تستطع كلّ محاولات العدو تزييف الحقائق التاريخية والجغرافية التغلب على مفهوم المقاومة المتمثل بالانتماء الى الأرض، رغم أنّ هذا العدو عمد منذ الأشهر الأولى لاحتلال الجولان وفق نظريات سياسية وعنصرية إلى القيام بعمليات المسح الأثري بهدف تقديم أدلة مزعومة على أنّ اليهود القدماء كانوا من سكان المنطقة مما «يبرّر» لهم احتلال المزيد من الأراضي في سورية وغيرها، وصوغ التاريخ من منظور «صهيوني» يمهّد للسياسة الاستعمارية التهويدية.

تنص اتفاقية لاهاي الموقعة في 14/5/1954 على حماية الممتلكات الثقافية وعدم سرقتها في حالة النزاع المسلح لكن «إسرائيل» ضربت بعرض الحائط كلّ المواثيق الدولية وأمعنت في سرقتها لآثار الجولان.

الأطماع الصهيونية تعود
إلى أواخر القرن التاسع عشر

الدكتورة كاميليا أبو جبل (أستاذة في جامعة دمشق ـ قسم التاريخ)، أعدّت دراسة شاملة عن موضوع الانتهاكات «الإسرائيلية» لآثار الجولان المحتلّ ومحاولات تشويه الإرث الحضاري فيه، وتشير في دراستها إلى موقع الجولان وأهميته، حيث أنه منطقة إنتاج واستقرار بشري من أقدم العصور، لذلك كانت الأطماع الصهيونية مبكّرة وتعود الى أواخر القرن التاسع عشر نظراً إلى موقعه الاستراتيجي وغناه بالمياه وأيضاً لأنه عقدة مواصلات بين لبنان وفلسطين والأردن.

ولفتت أبو جبل إلى أنّ العدو بدأ عمليات المسح الأثري والتنقيب منذ الأشهر الأولى لاحتلاله الجولان وفق اعتبارات ايديولوجية وسياسية وجغرافية، إلا أنّ التنقيبات لم تثبت أيّ وجود للعبرانيين القدماء في الجولان السوري مما دفع الجهات الرسمية الصهيونية ومنها سلطات الآثار والمتاحف «الإسرائيلية» الى القيام عمداً بتأليف روايات تاريخية معتمِدة على تزوير بعض المعالم والدلائل الأثرية، حتى وصل الأمر بالمسؤولين في الكيان المحتلّ إلى القول «إنّ ميزة الآثار اليهودية هي عدم توقيعها أيّ عدم ترك نصوص تاريخية مرفقة لهذه الآثار ومنقوشة عليها تفسّرها وتدلّ على تاريخها وحضارتها التي تنسب إليها» وهذا من أكبر أشكال التضليل والتشويه للحقيقة التاريخية.

المقياس تحرير العقول

وأكدت الدكتورة أبو جبل في اتصال مع «البناء» أنّ العدو لم يوفر أيّ وسيلة لتهويد كلّ جزء يحتله من أرض بلادنا، فقالت: «الاحتلال قام بهدم القرى السورية وغيّر أسماءها إلى أسماء عبرية مثل «كيبوتس الروم» الذي أقيم على أنقاض قرية عيون الحجل، وكذلك أقام مستوطنة «نيفي اتيف» علي أنقاض قرية جباثا الزيت، مع العلم أنّ المحتلّ لجأ الى التهجير القسري للسكان واستولى على ممتلكاتهم وصادر المياه خاصة بحيرة مسعدة حيث حوّل مياهها إلى المستوطنات الكثيرة التي أقيمت على أراضي الجولان المحتلّ».

وشدّدت أبو جبل على «ضرورة التوعية من خلال تحفيز الأجيال على معرفة تاريخها والتنبّه لممارسات العدو لجهة سعيه لتكريس احتلاله ومحاولة السطو على التراث وتحريف الحقيقة بما يتلاءم مع أطماعه، كون سلطات الاحتلال لم توفر الموروث الثقافي والتربوي حيث استبدلت مناهح الدراسة السورية بمناهج «إسرائيلية» في محاولة لطمس معالم الثقافة العربية وترسيخ فكرة «التهويد»، مما يضاعف مسؤولية الجهات المعنية تربوياً وأكاديمياً واجتماعياً، وفي ذلك مقاومة أساسية تُضاف إلى رحلة الصراع القائم بهدف تحرير العقول والإنسان إلى جانب الأرض».

دور أساسي للإعلام

واعتبرت أبو جبل أنّ الإعلام قادر على لعب دور أساسي لجهة تسليط الضوء على الممارسات «الإسرائيلية»، وقالت: «الإعلام له دور أساسي في تسليط الضوء على الممارسات الإسرائيلية تجاه الجولان المحتلّ، خاصة في ما يتعلق بسرقة الآثار ونقلها الى داخل فلسطين المحتلة، مشيرة إلى أنّ آثار الجولان جزء هامّ من الإرث الحضاري للتاريخ السوري والعربي، لذلك يجب أن يعرف العالم كله أنّ «إسرائيل» ضربت بعرض الحائط كلّ المواثيق والأعراف الدولية حين سرقت آثار الجولان».

كما يجب أن لا نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي كونها تمثل اليوم ما يُسمّى الإعلام البديل القادر على تعرية العدو والعمل على مواجهته عبر تعميق جذور الانتماء إلى الوطن والتمسك بالثوابت الأساسية الوطنية وتعميمها حتى تدرك الأجيال القادمة ماهية تاريخها وتحدّد عدوّها كي تقاومه على كافة المستويات الثقافية والفكرية والاجتماعية».

وحول إلزام العدو بالاتفاقيات الدولية قالت أبو جبل: «نحن نتوجّه بالشكوى إلى مجلس الأمن، ولكن للأسف كلّ الاحتجاجات والشكاوى بحق «إسرائيل» لا تقدّم ولا تؤخر، فجميع القرارات الصادرة والتي تدين «إسرائيل» لم تقدّم أيّ شيء للعرب ولم تعد لهم أية حقوق، كلّ القرارات حبر على ورق».

وختمت أبو جبل بالقول: «رغم كلّ محاولات الاحتلال التخريبية بحق التراث وسرقته للآثار والتدمير الممنهج لمعظم المواقع الأثرية السورية والإبقاء على مواقع أخرى لاستغلالها سياحياً من قبل سلطات الاحتلال واستخدام أحجار بعضها لبناء منشآت عسكرية، إلا أنّ أهل الجولان الذين تشبّتوا بأرضهم لعبوا دوراً كبيراً في التصدّي لكلّ مخططات الاحتلال الرامية الى تغيير هوية الجولان، وهذا يثبت أنّ أحرار الجولان هم جزء أساسي لا يتجزأ من الكفاح الوطني للشعب السوري ضدّ الاحتلال وعصاباته وإرهابه».

اتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح

هي معاهدة دولية تطلب من الموقعين عليها حماية الملكية الثقافية في الحرب. وقد تمّ التوقيع عليها في 14 أيار/ مايو عام 1954 في مدينة لاهاي (هولندا)، ودخلت حيّز النفاذ في 7 آب/ أغسطس 1956. وتمّ التصديق عليها منذ ذلك الحين من قِبل أكثر من 100 دولة.

تعيّن الاتفاقية علامة واقية تسهّل عملية تحديد الممتلكات الثقافية المحمية أثناء النزاع المسلح. ومن الممكن أيضاً الاستخدام الثلاثي لتلك العلامة للإشارة إلى أنّ هذه الملكية الثقافية الهامة بشكل استثنائي تخضع لحماية خاصة.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، اعتمدت منظمة اليونسكو اتفاقية لاهاي (1954) التي وضعت قواعد لحماية السلع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة. وكانت هذه الاتفاقية أول معاهدة دولية تهدف إلى حماية التراث الثقافي في سياق الحرب، والتي سلطت الضوء على مفهوم التراث المشترك وأدت إلى إنشاء اللجنة الدولية للدرع الأزرق (ICBS)، التي يشغل منصب مديرها العام الحالي السيد جولين أنفرنز من المجلس الدولي للمتاحف (ICOM).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى