أولى

«الإعلاميّ الروبوت»

 د. كلود عطية*

بين الإعلام واختراع الأفلام، تقف الأقلام العقائديّة عند حدود العبارة الأولى المترسّخة في النظام والدستور، والشاهدة الأولى على تراجع الأداء الثقافي والإنتاج المعرفي، والسقوط المدوّي للأخلاق أمام ارتفاع قيمة الأبواق وعباراتها التخريبيّة التي تنقش فوق مبادئ النهضة رسوماً وأشكالاً وكلمات ومقالات وخطابات غايتها تشويه الصورة المشرقة للمعرفة والمجتمع والحياة.. وفرض ثقافة الإلغاء بنبرة القوة المرتهنة المتزلمة، واتخاذ المنابر متراساً لبيع الكلمة والموقف والالتزام والعقيدة ولقرع طبول الحرب على كلّ مَن لا يخضع ويركع ويسمع، وكأننا أمام إعلام متحوّل من نقل الحدث إلى صناعته بعد تلوينه وتشويه حقيقته وتزييفه بما يتوافق مع استراتيجية المؤسسة المرتهنة وأهدافها.

من هذا المنطلق، نرى بأنّ الحرية الإعلامية عند البعض، تعيش وراء القضبان في سجن العبودية والتبعية والارتهان لأجندات شخصية أو حزبية أو حتى خارجية.. باتت تثبت الاحتلال الفكري وتعمّق الاختلال في كافة الميادين التي تعزز من الجهل والتخلف، وتزرع بذور البغض والكراهية في طريق النهضة..

هذا الإعلام المريض والمصاب في أخلاقه هو المتسبّب الأول في ازدياد الهوة بين العقيدة وتطبيقها، وبين المبادئ والالتزام بها، وبين النظام وأداء التخريب والتهويل.

أما الإعلامي الذي يلعب دور القائد الميدانيّ لحرب وهميّة، اخترعها المضللون لكلّ جسد مكتمل الهوية، إنما يعكس قدرته على بيع الذات في سوق المواقع والسلطة. كما يثبت مرضه النفسي الخطير الذي سبّب له هذا التحوّل من ثقافة القلم والفكر والإنتاج المعرفيّ والعلمي إلى ثقاقة الهيمنة والتفرقة والإلغاء..

هو الإعلامي المبرمج والمدرّب في تلك الغرف السوداء، بات لا يبصر نور الحق والحقيقة.. فهو يتلقى الأوامر كالروبوت وينفذ ما يُطلب منه ليس من أجله ولا حتى من أجل المؤسّسة التي ينتمي إليها، بل من أجل مستخدميه..

هذا الإعلامي الأداة قد لا يجوز فيه هذا النص ولا هذه الكلمات، لأنه مجرد آلة فاقدة للحسّ الإنساني والأخلاقي والقومي.. إلا أننا نقف أمام هذه الحالة الخطيرة التي تسهّل طريق اختراق الثقافة القوميّة وتسمح بدخول أعداء النهضة للتدخل فيها.

 نحن أمام صناعة مجموعات منظمة من ضعفاء النفوس القادرين على التنازل عن كلّ القضايا الإنسانية والوطنية والقومية، مقابل حفنة من الأموال، أو وعود وهميّة بتسلم مواقع في السلطة..

أما المتحدث الرسمي باسم هذه المجموعات فهو الإعلامي الأكثر تدريباً، الذي ينقل الأفكار الرجعيّة بدقة متناهية ويلعب على وتر الغموض والفوضى والعبثية…

الإعلامي أو المسؤول الذي يتحرك في فضاء المؤسسات الإعلامية المعادية وفي تلك المراكز والمواقع التي لا تمثل فكره ولا عقيدته.. إنما يتحرك بقوة من صنعه الذي يحاول أن يعزز من شرعيته غير الشرعية لكي يُحكم القبضة عليها ومن ثم يحررها بالطرق التي يريدها وتخدم مصالحه.

هي صناعة الأفكار التخريبية داخل المؤسسات النظامية، تتغلغل وتخترق علها تقسم وتفرّق وتتدخل في الخصوصيات الثقافية والفكرية والعقائدية..

ما يتطلّب هنا، إعلام مواجهة وصراع يستطيع مواجهة التحديات واستراتيجيات التخريب والاختراق، وقادر أن يوجّه الرأي العام نحو الحق والحقيقة والشرعيّة والوضوح. ويعمل على زرع بذور الوعي عند المواطنين ويسلط الضوء على ما يخدم المؤسسة والمجتمع انطلاقاً من ذاتيته الثقافية والعقائدية وأن يكون مستفزاً لكلّ ما يساهم في نهضة المجتمع..

أخيراً، «علنا نعود إلى الخط الفكري العقائدي للزعيم أنطون سعاده، الذي حرص (سعاده) على إحداث ثورة فكرية عظيمة الأثر في مفاهيم العمل الإعلامي وطبيعته وأهدافه الحقيقية، وخصوصاً في مجال الالتزام المطلق بالقضية القومية الاجتماعية، ونظرتها الشاملة إلى الحياة والكون والفن، إضافة إلى سعيه لبناء مؤسسة إعلامية متكاملة، وبدا ذلك واضحاً في سلسلة المراسيم والقرارات التي أصدرها سعاده لتنظيم الدوريات التي أنشأها»…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عميد التنمية الإدارية في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى