أولى

بين المقاومة والتحرير… معادلتان

 معن بشور*

بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين علاقة توأمة يستحيل فصمها، لأنهما شجرتان باسقتان جذورهما في تربة واحدة هي تربة الكرامة الوطنية والعزّة العربية والأصالة الإيمانيّة…

فمن مدرسة المقاومة الفلسطينية تخرّج العديد من روّاد المقاومة اللبنانية، الوطنية والقومية والإسلامية، كما نشأ على وهج المقاومة اللبنانية قادة فلسطينيّون يدركون عظمة لبنان ودوره في احتضان قضيتهم أولاً، ثم مقاومتهم، ثم انتفاضاتهم المتواصلة حتى اليوم…

ويوم نجح المبعوث الأميركي فيليب حبيب في استثمار الغزو (لا الاجتياح) الصهيوني للبنان، والحصار الجائر لبيروت المُرَافق للقصف الجوي والبري والبحري على مدى ثلاثة أشهر في إنجاز اتفاق يُخرج المقاومين الفلسطينيين وبواسل الجيش العربي السوري والمتطوّعين العرب من بيروت في أيلول/ سبتمبر 1982، ظنّت واشنطن وتل أبيب أنهما قد نجحتا في إخراج المقاومة والعروبة نهائيّاً من بلد، كان ولا يزال، قلعة للمقاومة والعروبة هو لبنان.

وظنّ الحاكمون في واشنطن وتل أبيب أنهما بعقد اتفاق 17 أيار المشؤوم، قد استكملوا خطتهم بإخراج لبنان نهائيّاً من الصراع مع العدو المحتلّ لأرضه، والمغتصب لحقوق شعبه وحقوق أشقائه، فإذ بهم يفاجَأون بأنّ المقاومة في لبنان هي روح قبل ان تكون رجالاً وسلاحاً، وأنه إذا نجح المحتلّ في إخراج راية من راياتها أو قوة من قواها فإنّ رايات عديدة سترتفع في سماء لبنان والأمة وأنّ قوى شديدة العزم ستنبت على امتداد الأرض العربيّة.

وفوجئ أعداء لبنان بأنّ العروبة في لبنان، لم تأت إليه محمولة على ظهر دبابة او ريال، بل هي نابعة من صميم تاريخه وانتمائه ونهضوية أبنائه، بل إنّ العلاقة بين لبنان وفلسطين، كما بين لبنان وسورية، هي علاقة مسار ومصير، علاقة آلام وآمال، علاقة مبادئ ومصالح، علاقة تبقى أقوى من حروب الأعداء وعبث العابثين، وهي عروبة تدرك تماماً أنّ بوصلتها هي القدس، وأنّ ترجمتها الأولية هي أخوّة مع دمشق، وأنّ مشروعها المستقبلي يتحدّد من سلامة توجهه في العداء للمشروع الصهيوني العنصري الإحلالي ومن تمسكه بكرامة الإنسان وحريته وكفالة التكافؤ بين أقطار الأمة .

وليس من دليل على عمق العلاقة بين لبنان وفلسطين إلاّ تزامن احتفال لبنان بالعيد الحادي والعشرين للتحرير (25 أيار/ مايو) مع احتفال شرفاء الأمة وأحرار العالم بإنجازات حققتها الانتفاضة في القدس وكلّ فلسطين، وصواريخ المقاومة في غزة التي دكّت عمق الكيان الغاصب…

فلقد أكد هذا التزامن، كما تزامن انتفاضة الأقصى بعد أشهر من تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي عام 2000، أنّ المقاومة قبل أن تكون سلاحاً هي وهج يشعّ من أيّة زاوية من زوايا الوطن الكبير لينير كلّ نواحي هذا الوطن، معلناً للعدو أنّ الصراع معه صراع وجود لن ينتهي إلاّ بتحرير الأرض، كلّ الأرض، بدءاً من القدس وكلّ فلسطين الى الجولان وكلّ أرض عربية سليبة… بل بتحرير الإرادة العربيّة من كلّ قيد استعماري أو ارتهان خارجيّ.

ومثلها العلاقة بين لبنان وسورية، التي مهما علق بها من شوائب، ومهما رافقها من أخطاء وخطايا، هي علاقة رسمتها الجغرافيا واحتضنها التاريخ، ووحّدها المصير المشترك، فهل من معركة ضدّ الاستعمار وملحقاته خاضتها سورية إلاّ وكان في قلبها لبنانيّون أحرار يدافعون عن لبنان وهم يدافعون عن سورية، وهل من معركة خاضها لبنان ضدّ الأحلاف والمشاريع الاستعمارية، كما ضدّ الاحتلال والعدوان الصهيونيّ إلاّ وكانت سورية، قيادة وشعباً وجيشاً، الى جانبه سنداً لمقاومته وعمقاً لكفاحه.

 ولقد جاء التحرير الذي يحتفل به لبنان اليوم ثمرة لمعادلتين، أولاهما معادلة وطنية هي معادلة الشعب والجيش والمقاومة، وثانيتهما معادلة عربيّة تقوم على ثلاثية لبنان وفلسطين وسورية، وهي أطراف ما اجتمعت مرّة إلاّ وانتصرت جميعها، وما تباعدت مرّة إلاّ وتسلل الأعداء إلى داخل هذه البلدان والمجتمعات ليعمل فيها تفتيتاً.

واذا كان من حقّ كلّ حرّ في الأرض اللبنانية والفلسطينية والسورية والعربية والإسلامية، بل وفي العالم كله، أن يحتفل بيوم التحرير والمقاومة، فإنّ من واجبنا جميعاً أن نتعلّم درساً لا ينسى من هذا الانتصار، ومن كلّ انتصار آخر، وهو «أنّ ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة»، وأنّ «فلسطين لن تحرّرها الحكومات بل الكفاح الشعبيّ المسلّح».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى