أولى

العودة إلى سورية قدرٌ لا خيار

تتلاحق الأخبار الواردة من دمشق وعواصم دول المنطقة والعالم عن عدد متزايد للسفارات التي يُعاد فتحُها أو تعزيز مستواها الدبلوماسي، بعد سنوات أراد فيها حلف دولي عربي واسع حصار سورية وإضعاف دولتها، وكرّس لذلك أموالاً طائلة وإمكانات هائلة وحرباً إعلامية ومخابراتيّة واستجلاباً لمئات آلاف المسلحين الإرهابيين من كل أصقاع الدنيا، وكانت القطيعة الدبلوماسية واحدة من أدوات الحرب التي سعت لإسقاط سورية.

بعد عقد طويل من الصمود السوري المليء بالتضحيات، نجحت سورية بدولتها وجيشها ورئيسها، بإسقاط ما دُبّر لها، ونجحت بإقامة تحالفات صادقة أدركت مخاطر ما تمّ تحضيره لسورية وتأثيره على الاستقرار في المنطقة والعالم، وتشكّلت بفعل هذه التضحيات والتحالفات معادلات جديدة وتوازنات يصعب كسرها، ترجمت في الميدان العسكري بتقهقر سيطرة الجماعات الإرهابيّة وحضور مشغليها عن مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، وبانسداد الطريق على محاولات الضغط لفرض تنازلات سياديّة على سورية تمسّ وحدتها وهويتها وثوابتها.

شهد هذا العقد الصعب من القرن الحادي والعشرين مصيراً مشابهاً للفشل الذي أصاب مخططات مشروع الهيمنة الأميركية على العالم، الذي كانت الحرب على سورية أحد أبرز مفرداته، بالرهان على التداعيات التي سيحملها الفوز بإسقاط سورية، وبدأت نتائج الفشل الإجمالي للمشروع تترك تداعياتها على الداخل الأميركي وترسم إطار تغيير السياسات نحو التسليم بالفشل، والسعي للتأقلم مع المتغيرات، وفي هذا السياق يجري الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتفاوض على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، والتحضير لقمة أميركيّة روسيّة، ومحاولة رسم خطوط جديدة لتموضع أميركيّ على خطوط تسويات متعددة.

رغم العقوبات القاسية والظالمة التي تفرضها واشنطن على سورية، والمواقف السلبية العدائية التي تتخذها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه كل الاستحقاقات السيادية في سورية، وآخرها الموقف من الانتخابات الرئاسية، فقدت واشنطن القدرة على ضبط الحلف الذي جمعته خلفها تحت عنوان إسقاط سورية، ليواصل الانعزال عن سورية التي تستعيد عافيتها وحضورها، ويصعد حلفها الإقليمي والدولي الى مواقع أكثر حضوراً وقوة، ولهذا بدت العودة الى سورية ترجمة لمحاولة أصحابها عدم البقاء بعيداً عما تمثله سورية وستمثله في المستقبل القريب في رسم معادلات المنطقة، وكسر الجمود في العلاقات الدبلوماسية مع سورية أولى الخطوات للتراجع عن هذا التموضع الذي لم يجلب لأي من هؤلاء عرباً وغير عرب الا البقاء خارج معادلة التأثير في العناوين الحيوية التي تقف سورية في قلبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى