أولى

فلسطين من منظارعيون الغرب الوقحة…!

 د. عدنان منصور _

منذ تأسيس الكيان الصهيوني المحتلّ لفلسطين عام 1948، لم تتغيّر سياسات الدول المؤسسة للكيان، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها، المعادية دائماً لقضايا أمتنا، وفي مقدمها قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. انحياز سافر، غير عابئ بحقوق الشعوب، والقوانين الدوليّة، فاقد للحدّ الأدنى من السلوك الأخلاقي والقيم الإنسانية، تجاه شعب سرقت أرضه من خلال أقذر وأحط قرارات اتخذتها القوى الكبرى بحق الشعب الفلسطيني (الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا)، ونفذتها بالقوة على أرض فلسطين العصابات الصهيونية: الأرغون، وشتيرن، والهاغانا، بعد تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج وطنهم وارتكابها لأبشع تطهير عرقي شهده العالم، ولم ينكره حتى المؤرّخين الصهاينة الجدد، مثل ايلان پاپ، وبني موريس، وغيرهما.

  منذ عام 1948، وسلطات الاحتلال الصهيونيّ تمارس أشرس السياسات العنصرية القمعيّة المتوحشة حيال من بقي في فلسطين التاريخية، أكانوا في الضفة أو القطاع أو في مناطق الاحتلال بعد عام 1948، حيث لم تتوقف دولة الإرهاب الإسرائيلية، على مرأى من دول العالم، لا سيما الدول التي أنشأتها، عن ممارسة اعتداءاتها المتواصلة بحق شعوب ودول منطقتنا المشرقيّة. حيث أدمنت على العدوان، والحرب والقتل، والهدم، ومصادرة الأراضي، ومحاصرة السكان، وسرقة مياههم، وإذلالهم على الحواجز، وترهيب المدنيين، واغتيال النشطاء والمقاومبن للاحتلال، وزجّ الآلاف منهم في غياهب السجون والمعتقلات !

 منذ عام 1948، و”إسرائيل” تمارس اعتداءاتها الوحشية، على مدار عقود من عمرها المؤقت وهي تتنقل من حرب الى حرب. فمن عدوانها على قطاع غزة، عام 1955، واحتلالها لسيناء بعد مشاركتها لبريطانيا وفرنسا في حربهما على مصر عام 1956، قامت بشنّ حرب على مصر والأردن وسورية عام 1967، أسفرت عن احتلالها لسيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان. وفي عام 1978، شنت عدواناً عُرف بعملية الليطاني، أدّى إلى احتلالها لجزء من جنوب لبنان، تبعه عام 1982، غزو جيش الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي اللبنانية، لتستمرّ الاعتداءات المتواصلة في ما بعد. فمن عناقيد الغضب عام 1996، وصولاً الى العدوان الواسع النطاق على لبنان عام 2006، كان العدو “الإسرائيلي” في كلّ مرة يوسّع من دائرة اعتداءاته، وهو يواجه الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين عامي 1987، و1993، ثم الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005، حيث شهد عام 2004 عدواناً  “إسرائيلياً” على قطاع غزة، عُرف بـ “قوس قزح” تبعه عدوان آخر أطلق عليه “أيام العقاب”.

عام 2006 شنت “إسرائيل” عدواناً أطلقت عليه “شتاء الصيف” وبعد ذلك فرضت حصاراً شرساً شاملاً على القطاع عام 2007 ولا زال مستمراً حتى اليوم.

عدوان تلوَ عدوان، شهدته غزة عامي 2008 و2009، ومواجهات على الحدود عام 2010، و2011. كما قام العدو عام 2012 بشنّ حرب مدمّرة على القطاع، عرف بعمود السحلب ثم الحرب على غزة عام 2014، التي أدّت الى استشهاد 2310 مواطنين فلسطينيين، وجرح 10626 مواطناً، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في قطاع غزة. من بين هؤلاء استشهاد 299 امرأة، و527 طفلاً وفقاً لمصادر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان(PCHR) ، أما مصادر ( Euromid Observer For Human Right)، فقد وثقت استشهاد 2734 مواطناً، بينهم 302 امرأة، و539 طفلاً، وأكثر من 64 ضحية مجهولة الهوية.

وفقاً لمصادر الأمم المتحدة، فإنّ العدوان “الإسرائيلي” الذي أطلق عليه البنيان المرصوص، أدى الى استشهاد 1800 فلسطيني، وجرح 9000 تسعة آلاف بسبب القصف العشوائي، بحيث ان %65 من الضحايا كانوا من المدنيين، و %30 كانوا من الأطفال. كما دمّر القصف الجوي 50000 منزل بالكامل، و 30000 منزل أصابها التدمير الجزئي، بالإضافة الى تدمير مئات المدارس وإصابة عشرات المستشفيات وقصف محطة الكهرباء الوحيدة العاملة في القطاع.

من جهتها، سجلت اليونسيف 400 حالة لأطفال لقوا حتفهم بسبب الغارات، %70 منهم دون سن الثالثة عشرة. ووفقاً لليونسيف أيضاً، فإنّ %75 من سكان قطاع غزة حرموا من الكهرباء، ومليون ونصف مليون مواطن حرموا من المياه الصالحة للشرب، وأن 500 ألف أصبحوا بلا مأوى، والقطاع الصحيّ أضحى في حالة كارثية..

 وفقاً لمجلة Air Combat العدد 9 لشهر تشرين الثاني 2014، شنّ سلاح الجو “الإسرائيلي” غارات استهدفت 4762 موقعاً، من 8 تموز الى 5 آب 2014، وأكثر من 5800 مهمة لغاية 26 آب.

في شهر أيلول 2014، كشف وزير الدفاع “الإسرائيلي” موشي يعلون عن تكلفة الحرب التي بلغت 2.5 مليار دولار، محدّداً انّ كلّ اعتراض صاروخ فلسطيني، كان يكلف القبة الحديدية 100.000 مئة ألف دولار أميركي.

كل هذه الحروب والاعتداءات جرت أمام عيون الغرب، الذي لم يتخلّ يوماً عن دعمه للكيان الصهيوني. متجاهلاً بالكامل، مصير شعب، واغتصاب أرض، وتطهير عرقي، وحقوق لاجئين مصمّمين على عودتهم الى ديارهم.

 الى متى ستظلّ السياسة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي، وكلّ الدول المتشدّقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تناصر المعتدين بكلّ وقاحة وقذارة، متجاهلة بالكامل، القوانين والقرارات الدولية، وحصار شعب ومعاناته، وما يتعرّض إليه يومياً من قمع وإرهاب، وتمييز

 عنصري، وتهجير قسري، ومصادرة لأرضه، وهدم لمنازله!

متى سيستفيق ضمير الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول الاتحاد الأوروبي، وأستراليا، وكندا، وغيرها ليقفوا وقفة إنسانية تجاه شعب أبيّ حرّ؟! لولا انحيازهم الأعمى، وتأييدهم ودعمهم الكامل لـ “إسرائيل” لما تجرّأت دولة الإرهاب أن تضرب عرض الحائط المجتمع العالمي، والقرارات الأممية، والقوانين الدولية!

الى متى سيستمرّ النفاق والخداع الغربي الذي تغلفه من آن الى آخر، تصريحاته ومواقفه الخبيثة التي توحي للعالم، حرصه على السلام والأمن والاستقرار، وحرية وحقوق الشعوب.

الى متى سيظل سيف اللوبيات اليهودية والصهيونية المسموم، مسلطاً على رقاب صنّاع القرار في الولايات المتحدة والإتحاد الاوروبي وغيره، حيال القضية الفلسطينية وشعب فلسطين؟! الى متى سيظلّ العديد من القادة، والحكام، والسياسيين، ورجال الفكر، والإعلاميين، والمؤسسات المالية والاقتصادية، والجامعات، والأحزاب، تحت تأثير وضربات اللوبيات اليهودية، في حال خروجهم عن طوعها، وسياستها، وأهدافها، ومطالبها؟

 بعد مئة عام من مؤتمر فرساي، لم تتغيّر سياسة الغرب المستبدّة الظالمة بحق أمتنا وشعوبها، وبالذات قضية الشعب الفلسطيني، الذي ارتكبت بحقه أفظع جريمة في تاريخنا الحديث، عكست بعمق مدى عنصرية زعماء الغرب، وكراهيتهم، واستبدادهم، وانحطاط مواقفهم.

 متى سيقنعنا الغرب أنّ الشعارات البراقة التي يحملها ليست استنسابيّة، فغصن الزيتون لا يمكن له أن يتجانس مع فوهة مدفع، وأن تشدّقه بمبادئه التي يروّجها، ويريد منا تطبيقها، لا تنسجم مطلقاً مع سلوكه الداعم بلا حدود لدولة الإرهاب وسياساتها، وعدم إدانته لها، أو اتخاذ إجراءات وقرارات بحقها!

هل يجرؤ حاكم أو زعيم أو مسؤول في الغرب أن يدين سياسات “إسرائيل”، على ما ارتكبته وترتكبه من مجازر ضد الإنسانية على مدى 73 عاماً من تأسيس كيانها ولو لمرة واحدة، من دون أن يدفع الثمن. وما وليم فولبرايت، وادلاي ستيفنسون، وبول فندلي، وغيرهم من السياسيين ألا النموذج الحي لأصوات حرّة دفعت الثمن على يد اللوبي البهودي الأميركي؟!

الى متى سيظل الغرب الرسمي علناً في مرمى الإذلال الصهيوني له، من دون أن يقف وقفة تليق به، وتليق بالمبادئ التي رفعها، وليثبت للعالم كله أنه مع مبادئ الحق والعدل قولاً وفعلاً، وليس حامياً وداعماً للمحتلين القتلة، ومبرّراً بكلّ وقاحة اعتداءاتهم وجرائمهم، واقفاً الى جانبهم بذريعة حق مجرمي الحرب الصهاينة في الدفاع عن النفس!

لقد أيقظت مقاومة الشعب الفلسطيني الضمائر الحية في العالم، لا سيما في دول الغرب، بعد أن لمست الشعوب الحرة، حقيقة وطبيعة الدولة العنصرية “الإسرائيلية”، وما ترتكبه من فظائع بحق الفلسطينيين، ومجازر ضدّ الإنسانية.

إنّ قيادات المقاومة الفلسطينية، مدعوّة اليوم لاستثمار تعاطف شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني بكلّ قوة والاستعداد لمواجهة ما يبيّته العدو لها، بعد ان مُني بهزيمة مدوية.

العدو ماكر وخبيث، يراهن على عامل الوقت، عله يظفر بفترة استرخاء لسنوات، مثل ما حصل عام 2014 وحتى العدوان الأخير.

 إنّ فترة السبع سنوات العجاف لوقف إطلاق النار، كانت فرصة ذهبية للعدو للاستمرار بفرض الحصار الشامل على قطاع غزة، في الوقت الذي خلا له الميدان لتوسيع مستوطناته، والاستمرار في مصادرته للأراضي، والتمادي في تغيير وجه القدس والمسجد الأقصى، والعمل على تنويم الفلسطينيين و”قيادة السلطة الفلسطينية”، بعد تعليق المفاوضات، وتخديرهم، وجعلهم يتأقلمون مع واقع الاحتلال، ويخضعون للأمر الواقع الصهيوني، في الوقت الذي تجد فيه “إسرائيل” دائماً، من يقف الى جانبها من العرابين، والمتواطئين، والمتخاذلين، واللاهثين وراء الحلول الهزيلة، والمغامرين المتعطشين للسلطة والزعامة، ومن كلّ الذين يناصبون العداء للمقاومة الفلسطينية ولو أدى ذلك الى نحر القضية، وفناء الفلسطينيين!

 للمقاونين الفلسطينيين وقادتهم، نقول اليوم: لقد شرفتم فلسطين والأمة كلها بإنجازاتكم، وبطولاتكم، وتضحياتكم، وصمودكم، وصبركم، فلا تجعلوا هذه الإنجازات العظيمة تتآكلها التسويات المؤقتة، والوساطات المشبوهة، والحلول المفخّخة التي تريح العدو، وتترك المقاومة في مستنقع الحصار التي هي فيه، فيما العدو في الأرض المحتلة يعتدي ويعربد، وفي الخارج يعود عبر لوبياته الصهيونيّة، لتجميل وتلميع صورته القبيحة من جديد، وتعزيز دوره ونفوذه من خلال حملات وهجمات شرسة مرتدّة، إعلامياً، وسياسياً، ودبلوماسياً، وأممياً”.

 من غير المقبول بعد اليوم، أن تلتزم المقاومة الفلسطينية بوقف إطلاق النار، ويبقى شعبها تحت الحصار، والاحتلال، ويعاني من سياسات القهر والإذلال والتجويع! إذ ليس بوقف إطلاق النار تتحرّر القدس، ويفك الحصار عن غزة، وتتوقف “إسرائيل” عن إرهابها ضدّ المقدسيّين، وضدّ كلّ الأحرار الذين يقارعون المحتلين القتلة.

 ما يريده أحرار فلسطين والعالم، وقف الإرهاب، والحصار والاحتلال الإسرائيلي، وليس وقفاً لإطلاق النار الذي يبقي على العدوان، والحصار، والإرهاب، والاحتلال.

*وزير الخارجيّة والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى