الوطن

العقدة الحكومية في منشار السلطة وليست بتسمية الوزيرين

}  علي بدر الدين

يُحكى أنّ ملكاً خصّص جائزة مقدارها ألف دينار لكلّ من يقول كلمة طيبة من مواطني مملكته، وكان يتقصّد السير مع حاشيته في الشوارع لسماعها، وإذا به يرى فلاحاً عجوزاً في التسعينات من عمره، وهو يزرع غرسة زيتون، فاقترب منه وسأله، لماذا تزرع هذه الغرسة وهي تحتاج إلى عشرين سنة لتثمر وأنت رجل عجوز وقد دنا أجلك؟ أجابه الفلاح: السابقون زرعوا ونحن حصدنا، ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون، فأعجب الملك بإجابته وبداهته وأثنى على كلامه الطيب، وأمر بإعطائه ألف دينار، فأخذها وهو يبتسم، فسأله الملك، لماذا ابتسمت؟ أجابه العجوز: شجرة الزيتون تثمر بعد عشرين سنة، وغرستي أثمرت الآن، فقال له الملك أحسنت، وأمر بإعطائه ألف دينار ثانية، فأخذها وكرّر ابتسامته، وسأله الملك عن سبب تكرار ابتسامته، ردّ عليه الفلاح، أنّ شجرة الزيتون تثمر مرة واحدة في السنة وشجرتي أثمرت مرتين، أحسنت، قال له الملك وأعطاه ألف دينار ثالثة.

وفجأة، غادر الملك مسرعاً مبتعداً عن الفلاح، فسأله رئيس الحاشية، مولاي لماذا الانصراف بهذه السرعة؟ أجابه على الفور، هذا الفلاح العجوز خدَعنا، وعلى ما يبدو انه واحد من الطبقة السياسية في لبنان، لأنه محنك ومحتال ومجرّب، ولا صنعة له سوى الكلام المعسول والطيب، ويعرف من «أين تؤكل الكتف»، وكيف يمارس السلطة سياسياً ومالياً واقتصادياً، ويبدو أيضاً، انه استغلالي، كثير الكلام عديم الفعل والضمير، وإذا تمادينا معه في الحديث والمجاملة والعطاء لفرغت خزينة الدولة وامتلأت خزائنه، وقد نتحوّل إلى أتباع له او نعمل عنده، فقرّرت الرحيل عنه قبل الوقوع في فخاخه، و»تشليحنا» كلّ ما نملكه، ونتحوّل فقراء جائعين، مهملين ومحرومين، مسلوبي الحقوق تماماً كالشعب اللبناني الذي يعاني منذ عقود من سلوك وألاعيب ونفاق الحكام ووعودهم الكاذبة، الذين سحبوا كالنمل مؤونة هذا الشعب بذريعة حفظها وحمايتها للظروف الصعبة، وإذا بها مخزنة في صناديقهم تحت «سابع أرض»، للتنعّم بها وتوريثها من بعدهم لأولادهم وأحفادهم وتعرية شعبهم، وتركه في مهبّ الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال.

أما نحن أضاف الملك، لا ينفعنا عضّ أصابعنا ندماً، وعندها يصبح تغيير الحال من المحال.

إنّ حكاية الملك والكلام الطيّب للفلاح، هي نسخة طبق الأصل عن حال لبنان وشعبه الطيب، رغم انعكاس الصورة وتبادل الأدوار بين بطلي الحكاية، وقد لعب الفلاح هذه المرة دور السلطة، التي أتقنت الكلام الطيب وأطلقت الوعود بالإصلاح والتغيير والمحاسبة، وبناء دولة الدستور والقانون والعدالة والمؤسسات قولاً ووعداً، وهي تمارس العكس، حيث اعتمدت في سياستها وسلطتها على المثل القائل «تمسكنت حتى تمكنت» ولم تثمر سوى الكلام وعدم الفعل الذي لطالما راهن اللبنانيون عليه، وإذا بهذه السلطة منذ أكثر من مئة سنة ولا تزال، تمارس سياسة القضم والفساد والنهب وتقاسم حقوق الناس، بوسائل الترغيب والترهيب ورفع شعارات وعناوين «وطنية وإصلاحية» كبيرة بما يخدم مصالحها ومشاريعها ويؤمّن استمرار تسلطها، في حين انّ البلد ينهار اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً واستقراراً، حتى بلغ الحضيض الذي لا خروج منه إلا بمعجزة، لن تحصل على الإطلاق.

هذه السلطة السياسية والمالية الحاكمة، لم ولن تغيّر أساليبها ولا سلكوياتها في إدارة شؤون البلاد والعباد، بل العكس طوّرتها لمزيد من الانهيارات المتتالية، حتى باتت عاجزة ومشلولة، حتى عن مواجهة أية أزمة أو مشكلة اجتماعية، وقد راكمت الأزمات والمشكلات، وحوّلت الشعب إلى شحاد، يصطف على الطرقات في طوابير لاستجداء حقه من الوقود، ويقف طويلاً على أبواب المصارف والأفران والصيدليات، وقد لا يجد ضالته، لأنّ تجار السلطة والجشع والاحتكار ركنوها في مخازنهم ومستودعاتهم لسرقة ما تبقى من قروش مع هذا الشعب الذي على ما يبدو استسلم للواقع المرّ، وفقد كلّ إمكانية لانتزاع حقوقه المسلوبة مع أنه يعرف السالب والناهب والمحتكر، وبات همّه منصباً على إيجاد ما يسدّ به جوع أطفاله.

كيف لهذه السلطة التي تستثمر بالوطن والدولة والشعب، ومن خلاله تنجح دائماً في إعادة إنتاج نفسها، وترمي حمولة أطنان من الوعود الفارغة، وحبالاً طويلة من الأمل والتفاؤل والأكاذيب، وأنها قادرة على تأليف الحكومة من خلال الادّعاء بأنها «لا تنام الليل» وهي تبذل الجهود المضاعفة لحلحة عقده، مع أنها غير قادرة حتى على تأمين لقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أو بين الأخير ورئيس التيار الوطني الحر.

ليس صحيحاً على الاطلاق أنّ عقدة الوزيرين المسيحيين ومن له الحق والصلاحية بتسميتهما هي ما يعرقل التأليف، فهذا تسخيف واستغباء للشعب. الصحيح أنّ القوى المعرقلة والشركاء لا يريدون تأليف الحكومة، لاعتبارات مصلحية وسلطوية مستقبلية، ولأنّ التأليف لا مصلحة فيه لا للحريري ولا للتيار الوطني، لضيق هامش المناورة السياسية وزمن الاستحقاقات الانتخابية التي باتت على مرمى سنة من الآن، ولأنّ البلد يغرق ويحتضر ومن الصعب إنقاذه في هذه المرحلة، ولا يريد أحد تحمّل مسؤولية التبعات والتداعيات الخطيرة المتوقعة.

في المحصلة، لا حكومة غداً ولا بعد غد، ولا في هذا العهد، رغم إشاعة أجواء التفاؤل المصطنعة المواكبة للقاءات.

كان الله بعون لبنان واللبنانيين وصبّرهم على بلاءاتهم وما ينتظرهم، على أمل أن يكون الآتي برداً وسلاماً على الجميع، لارنملك سوى الدعاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى