أولى

حزازير الحاكم: إسقاط لبنان على توقيت الخارج

– لا يملك مسؤول لبناني مهما علا شأنه القدرة على معرفة حقيقة الأرقام المالية التي يملكها حاكم مصرف لبنان وحده، ولا يشاركه فيها لا نوابه ولا مفوّض الحكومة ولا وزير المالية، وسقف ما منحه الحاكم لرؤساء الجمهورية والحكومة هو قصاصات ورق كتبت بخط اليد بقلم الرصاص قابلة للتعديل كل مرة عن حقيقة الأرقام، وبإمكان أي متابع أن يتساءل كيف يكون للحاكم تصريح يقول فيه إن لا مال لديه في يوم وفي يوم آخر إن لديه مليارات يمكن التصرّف بها، وما هي معايير قرارات يبشّر بها بوقف الدعم ومعايير قرارات العودة للدعم؟

– لبنان مرهون لحاكم مصرف لبنان، هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يجادل بدقتها، والحاكم مرهون للمموّل الخارجي ومرجعيته السياسية، فالبنزين كما الكهرباء والدواء، تنتظر بركات الحاكم لفتح الاعتمادات، والمفارقة أن شروط الموافقات التي تأتي بصعوبة تصبح سخية تمنح بأرقام خياليّة وتوزع بطرق لا معايير لها، فوزير الصحة اقترح تخفيض الفاتورة الدوائية الى النصف مقابل إشراف الوزارة على تحديد الأصناف المدعومة، ومراقبة الشركات المستوردة ضمن شروط الاعتمادات المفتوحة لها، أي شروط استيفاء أموالها رهن بخضوعها للرقابة، لكنه يلهث للحصول على موافقة الحاكم من دون جدوى، واقتراحات رفع الدعم عن البنزين لوقف التهريب مقابل تأمين كميات كافية من البنزين المدعوم لسيارات الأجرة والباصات ووسائل النقل العموميّة أمام الحاكم منذ مدة وهو لا يهتم بها.

– عمل الحاكم وفق خطة، ربما تكون خطته للوصول لرئاسة الجمهورية بصفته المخلص الاقتصادي والمالي، لكنها خطة تستند الى المموّل الخارجي الذي بقي يمده بالديون رغم هبوط مؤشرات القدرة على السداد، وهو كان مجرد منفذ لها عملياً، وجوهر هذه الخطة هي وضع اليد على كل أموال اللبنانيين في لبنان والمغتربات بواسطة المصارف عبر إغراءات الفوائد المرتفعة، والمصارف الجشعة لم تتردّد في مشاركة هذه الخطة بمعزل عن درجة الأمان فيها وجدواها وحجم خدمتها للمودعين الذين ائتمنوها على أموالهم، وكان لسحب هذه الأموال وظائف أولها حرمان القطاعات الإنتاجية من فرص الحصول على التمويل، الذاهب للدين العام، والثاني دعم سعر صرف منخفض غير واقعيّ للدولار لإغراء اللبنانيين بمستوى معيشة مرتفع وغير متناسب مع حالتهم الحقيقيّة وحالة بلدهم، فوظفوا الخدم وسافروا للسياحة واشتروا السيارات، ليفاجأوا دفعة واحدة بالفقر يداهمهم، والثالث هو تمويل فوضويّ للدولة لتوظف عشوائياً فتسحب البطالة لغير سوق العمل، وتلزيمات بلا دراسات ودون منافسة وشفافية معظمها هدر وفساد سيطر عليها المحاسيب، موّلوا الحملات الانتخابية منها، وفي الحصيلة انهار البلد أمام أعين الحاكم لمجرد أن توقف دفق الديون الخارجية العربية والأجنبية، وصار المطلوب ثمناً سياسياً لإعادتها يتصل بسلاح المقاومة، أيضاً ضمن خطة، هي ثورة ملوّنة بربيع لبناني يتحول الى جعل العنوان، “سلموا سلاح بدنا نعيش”.

– اليوم وعندما بدا أن الخطة فشلت، وأن المنطقة تتغيّر، وأن محور السلاح ينتصر، وأن واشنطن “أم الدنيا” تسعى لمصالحة عاصمة السلاح، وأن الانهيار يهدد خطة أخرى هي الحفاظ على الأستقرار، يتراجع الحاكم عن وقف الدعم، ويلوّح بالإفراج عن بعض الودائع، لأن فرصة التفرّغ لتسوية في لبنان لم تحن بعد، لكن الانهيار الذي يؤدي للانفجار ممنوع، والمال الذي لم يكن موجوداً وجد فجأة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى