مقالات وآراء

متى تفك عقدة «حيلة» المنظومة السياسية ومن يطفئ نار فتيلها؟

} علي بدر الدين

لم يعد جائزاً ولا مفيداً ولا مقنعاً أو مبرّراً، استمرار صراع «جبابرة» الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، على السلطة والمال والنفوذ والتحاصص، و»النبش» في الدستور اللبناني المنسي والمركون في الأدراج والخزائن وغرف الأرشيف، او في مكاتب السياسيين والقانونيين و»المحللين الإستراتيجين»، الذين تكاثرت أعدادهم وتحوّلوا إلى مستشارين في القصور ولدى الحكام ورؤساء الكتل النيابية، ولا دور لهم ولا عمل ولا فائدة عامة، ينشطون فقط عندما «يدبّ» الخلاف بين مكونات الطبقة السياسية، التي تبحث عن مواد في الدستور لدعم مواقفها وصون مصالحها وتغليب قراراتها، كما هو حاصل حالياً في سجال السلطات، وإثبات من له الحق والصلاحية في ما يتعلق في هذه المرحلة بشماعة تأليف الحكومة، التي لن تبصر النور أقله في هذا العهد مهما اجتهد البعض، وحاول إطلاق رشقات من المواد الدستورية، واعتمد على مصطلحات إصلاحية وميثاقية، و»هيّج» بيئاته الحاضنة، ورفع من منسوب خطاباته الطائفية والمذهبية والشعبوية، وشغل محركات ماكيناته الدستورية والقانونية والسياسية والإعلامية، لأنّ زمن اللعب والاحتيال على الناس وقد ولّى إلى غير رجعة، ولأنّ الثقة انعدمت نهائياً بالطقم السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي والتحاصصي.

ما يحصل بين قوى السلطة، لا يمكن توصيفه وتصنيفه، إلا في خانة الهروب مما اقترفته بحق الوطن والشعب والدولة والمؤسسات، ولإلهاء للناس وشراء الوقت، ومحاولات شدّ عصب التابعين والمرتهنين والمصفقين، للأسف فقد تنجح فيها هذه السلطة لأنها مجربة والهدف إثبات أنها لا تزال قوية وقادرة على المواجهة وردّ «الصاع صاعين» لكلّ من يحاول او يفكر المسّ بالصلاحيات والمصالح والحصص والإمتيازات التي أحيطت بالخطوط الحمر الممنوع الاقتراب منها، تحت أيّ عنوان او شعار، حتى لو سقط الهيكل «علينا وعلى أعدائنا».

الطبقة السياسية، تدرك جيداً، ومنذ زمن، أنها لم تكن يوماً تملك قرارها، وتحديداً في الاستحقاقات الكبرى، مثل تأليف الحكومات والاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والنيابية، في حين أنّ تأثيرها الداخلي، يترجم في التحكم بالشعب وبالفساد والتحاصص وعقد الصفقات، والتواطؤ مع ناهبي المال العام والخاص وتغطية الفاسد والمرتكب والمحتكر والتاجر الفاجر، الأمثلة كثيرة، حيث انّ «المافيات» المحمية تسرح وتمرح على عينك يا دولة ويا شعب، من دون حساب او عقاب او قرارات رادعة، رغم كلّ الضجيج الإعلامي والمواقف العالية الصخب التي تهدّد وتتوعّد، في حين أنّ الانزلاق يتواصل اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً واستقراراً وعدالة، وقد بلغ مرحلة السقوط النهائي المدمّر والقاتل، الذي لا يمكن إيقافه، وبات كرة نار تتدحرج لتحرق البلاد والعباد، من دون ان يخرج أحد من قمقم المنظومة السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود، ليعلن توبته، ويكشف أسرار وخفايا لصوص البلد، ويصارح شعبه بالحقائق والأدلة، انه مجرد حلم او كابوس لا يمكن فكّ ألغازه، وهو يؤشر إلى حجم تماسك الطبقة السياسية والمالية وحرصها على الوقوف مجتمعة ضدّ هذا الشعب، الذي ازداد بفضلها فقراً وحاجة وجوعاً، وذلاً يومياً، وهو يبحث عن حقوقه الحياتية والخدماتية والمعيشية، مع انه يدفع أثمانها من ماله وتعبه وكرامته.

المحزن المبكي، انّ الشعب يكتوي بنار البنزين المقطوع والمصادَر، وبنار فقدان الدواء، والحرمان من الاستشفاء، ومن نار الأسعار التي تلسعه مجرد رؤيتها في المتاجر، ومنظومة السلطة تفتح شهرتها على «معارك» سياسية وميثاقية ودستورية، واصطلاحية، وتشنّ على بعضها «حرب» المواد الدستورية، التي لا يفقهها الشعب ولا علاقة له بها، لأنها لا تعنيه من قريب او بعيد، ولأن أولوياته منصبّة على تأمين الوقود لسيارته والدواء لمرضه والحليب لأطفاله، وللحصول على عمل بعد ان تفشت البطالة، وانقطع الرزق وشحت الاموال التي لم تعد تكفي لإطعام جائع.

أن السجالات العبثية الجدية والمصطنعة السرية منها والعلنية، لن تخدم سوى أطرافها ومصالحهم، وهي بداية غير مشجعة للآتي الأعظم والأخطر، وقد بات لبنان المنكوب وشعبه المنهوب على عتبة الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية، التي تنذر بالشر المستطير، وقد بدأت حماوتها منذ الآن، فكيف إذا اقترب موعدها؟ والشعب اللبناني، خسر حتى «الحيلة والفتيلة» وبات عاجزاً على الصبر والانتظار لفكّ عقد «حيلة» المنظومة السياسية الحاكمة، وإطفاء فتيلها الطويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى