مقالات وآراء

حروب صيغ سياسيّة أم رئاسة جمهوريّة؟

} د.وفيق إبراهيم

بات أكيداً أن الصراع بين الطوائف يرتدي شكل إقرار صيغ سياسيّة تؤدي في الوقت نفسه لانتخابات رؤساء للجمهورية يميلون الى هذه الصيغ أو يعبّرون عنها.

هذا هو لبنان العجيب الغريب الذي تربط قواه السياسيّة بين مواقع طوائفها في الصيغ السياسية وبين موالين لها في رئاسات الحكومات وأسماء رئاسات الجمهوريّة والوزراء.

هذه الطريقة في اختيار أسماء المسؤولين لتعيينهم في مواقع المسؤولية تفتح أبواب صراعات غير مضبوطة تسمح لقوى الخارج في السعودية وفرنسا وأميركا باختراق أجواء التسميات وانتفاء الأكثر انسجاماً مع السياسات الخارجية.

بذلك يتبين أن اختيار الأسماء من قبل القوى السياسية إنما يؤدي الى الموضوع نفسه، فممثل أية قوة لبنانية في الصيغة السياسيّة الأساسية أي واحد من الرؤساء الثلاثة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب إنما هو ممثلها في التركيبة الأصلية للحكم، فيما يشكل مجلس الوزراء كامل أسماء التركيبة المطلوب منها التعبير الحكومي عن الهيمنة على الصيغة السياسية.

ما هو هام الآن أن الصيغة الإفرادية (المارونية) والثنائية (المارونية السنية) قد ولّتا الى غير رجعة نتيجة طبيعية لصعود دور رئيس مجلس النواب الداخلي والإقليمي بشكل أصبح فيه من المستحيل إزاحته عن كرسيه الوحيد في المجلس النيابي. فبري يمثل اليوم حركة أمل وحزب الله وسورية وإيران ويستطيع ان يعبر الى حدود كبيرة عن أدوار تريدها روسيا في الشرق الأوسط، وهذه ليست مبالغة باعتبار ان تفاهماتها مع الأميركيين ترتكز على الصعود الروسي في سورية وإيران وصولاً الى اوكرانيا وبلاد القوقاز.

فهناك اهتزاز في الدور الأميركي يصيب إصرار الأميركيين على تصدير غازهم الى اوروبا مقابل تمسك أوروبا، خصوصاً المانيا باستيراد الغاز الروسي، هذا الى جانب محاولات اوروبا لاستيراد الغاز من مصر و«إسرائيل» واليونان الى القارة العجوز. والاسباب هنا مردها ان الغاز الاميركي انما يأتي من أمكنة بعيدة المسافات، لذلك فهو شديد الكلفة واعلى من الغاز الأوروبي والشرق اوسطي.

فهل يصل لبنان الى تسوية حول صيغته السياسية تنتج طريقاً مفتوحة لاستيراد الغاز منه الى اوروبا واستيراد ما يحتاج اليه من بلدان اخرى؟

وهل تستكين اوروبا الى وسيلة وحيدة لاستيراد الغاز اليها مع نصب علاقات اقتصادية مع الشرق الاوسط لا تمر بالعنجهية الاميركية؟

استيراد الغاز الى لبنان مرتبط بصيغته السياسية وبوسعه الاعتماد على الغاز اللبناني الحدودي مع فلسطين المحتلة من مساحة 1820 كيلومتراً مربعاً او اقل منه بقليل، كذلك فإن لديه كميات اكبر من المناطق البحرية المواجهة لقبرص وعند حدوده البحرية مع سورية، وهذا يحتاج لنظام سياسي يفكر بمصلحة بلاده، وهذا ليس موجوداً حالياً. فالطوائف تعمل لتركيب صيغ حكم سياسية ترى انها اكثر اهمية من تصدير الغاز وتطوير الاقتصاد.

وذلك لأن طوائف لبنان تعتبر ان رئاسة الجمهورية هي محتكر للسلطة ومستورد للغاز ومنظم للاقتصاد ومسيطر على البلاد.

لذلك فإن الصراع اللبناني يتمحور حول رئاسات الجمهورية على مستوى الشخص والتمثيل.

وهذا يؤكد مدى الضعف في النظام السياسي اللبناني الذي ينحني أمام الرئاسات ولا يفرض عليها العمل ضمن فريق سياسي حكومي يوفر للبلاد كل ما تحتاجه بشكل جماعي، فمن يصدّق مثلاً ان سورية لا تستطيع مثلاً ان توفر للبنان ما يحتاجه من الغاز والنفط من مناطقها الشرقيّة. ومن يصدق ان سورية عاجزة عن استيراد الزراعات اللبنانية وبعض أنواع الصناعات التي أعيد تجميعها على الاراضي اللبنانية.

لكن السيطرة الفرنسية – الاميركية على لبنان من جهة وحرب حزب الله في وجه “اسرائيل” هي من العناصر التي تضع سياسة بلاد الأرز في يد الاميركيين والفرنسيين وفي خدمة العدو الإسرائيلي.

لذلك فإن المطلوب من لبنان اتفاق قواه السياسية بمجملها على طرق استيراد تجعل من هذا الاستيراد في خدمة السياسات وليست السياسات في خدمة الاستيراد.

اما على المستوى الأوروبي فبإمكان القارة العجوز وبلاد الأرز نسج علاقات اقتصادية عميقة تقوم على توريد الغاز والنفط ومختلف المواد المصنوعة في أوروبا.

بذلك يتضح أن لبنان بحاجة اقتصادياً الى اوروبا وسورية وإيران. وهذا يفترض رفع اليد الاميركية عنه وتوسيع حركته الاقتصادية حتى يصبح اقتصاده الوسيلة الأساسية لتطوره، فلبنان ليس مجرد حركة صغيرة لإيران وسورية وكما انه بحاجة اليهما فهما بحاجة إليه بما يؤدي الى تلبية تنوعه السكاني وتحالفاته المنتشرة من اقصى حدود إيران وحتى حدوده مع سورية والبحرية مع اليونان وقبرص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى