أولى

حتميّة تصحيح البوصلة تجاه إيران!

 د. محمد سيد أحمد

الصراع العربي – الصهيوني هو صراع تاريخي له جذور ممتدة منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما ازدادت وبشكل ممنهج هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حيث قاموا بالاستحواذ على الأراضي العربية من العرب والعثمانيين المعروفين حينها باسم الافنديين، وقاموا بإنشاء مستوطنات زراعية يهودية في محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية التي يغلب عليها السكان العرب، وخلال مرحلة الانتداب البريطاني في مطلع القرن العشرين قامت الحكومة البريطانية في عام 1917 بالإعلان عن وعد بلفور الذي يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما أدّى إلى تفاقم الصراع بين أصحاب الأرض العرب وبين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال الفترة العثمانية.

واستمرّ الصراع لمدة ثلاثة عقود كاملة تمكن العدو الصهيوني من فرض نفوذه على الأرض الفلسطينية بمساعدة السلطات الانتدابية البريطانية التي انسحبت بعد إعلان العدو الصهيوني قيام دولته المزعومة في 14 مايو/ أيار 1948، ودخلت ستة جيوش عربية في حرب فلسطين (مصر – سورية – العراق – الأردن – لبنان – السعودية) ونالت أول هزيمة أمام العدو الصهيوني وكانت نكبة حقيقية حيث انتهى القتال بتوقيع اتفاقية هدنة عام 1949 بين العدو الصهيوني والدول المحيطة (مصر – سورية – لبنان – الأردن) وسيطر العدو الصهيوني على المنطقة التي تمّ تخصيصها للدولة اليهودية وفقاً لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947 تحت رقم 181، بالإضافة إلى أكثر من نصف المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية، كما تمّ الاتفاق على إدارة مصرية لقطاع غزة وأردنية للضفة الغربية، وظلّ الوضع كذلك حتى قام العدو الصهيوني باحتلال معظم الأراضي المتبقية خلال نكسة يونيو 1967.

وبعد النكسة دخلت مصر حرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني وكان الهدف الرئيس من هذه الحرب وكما أعلنها الزعيم جمال عبد الناصر هو إعادة الثقة للمقاتل المصري بعد هزيمة 1967 وتحطيم أسطورة المحارب الصهيوني الذي لا يُقهر والتي روّج لها عبر وسائل الإعلام الغربية، وتمكّنت القوات المصرية من توجيه عدة ضربات موجعة للعدو الصهيوني منها عملية إيلات التي تمّ فيها تفجير الميناء والبارجة الموجودة فيه. هذا إلى جانب عملية تفجير الحفار في المحيط الأطلسي، ومهّدت حرب الاستنزاف الطريق لخوض حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 والتي انتصرت فيها الجيوش العربية (مصر – سورية) لأول مرة على العدو الصهيوني وتحطمت أسطورة الجيش الذي لا يُهزم.

وبعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 دخل الصراع العربي – الصهيوني مرحلة جديدة تماماً، حيث قرّر العدو الصهيوني عدم الدخول في مواجهات وحروب كبرى مباشرة على غرار حرب أكتوبر، لكنه سيقوم بعملية جهنمية لإنهاء الصراع عبر عمليات سلام مزعومة مع الدول العربية، ومحاولة خلق عدو جديد للعرب ليصرفهم عن عدائهم معه، وللأسف الشديد فقد نجحت الخطة الصهيونية الشيطانية بإخراج مصر من دائرة الصراع عبر (كامب ديفيد) وفي التوقيت نفسه تورّطت العراق في حرب الخليج الأولى (1980 – 1988) مع إيران وبدون مبررات مقنعة حيث ظهر ولأول مرة الخوف من تمدّد الثورة الإيرانية إلى المناطق العراقية التي يسكنها أبناء المذهب الشيعي، ومن هنا ظهرت الورقة الطائفية البغيضة لتصبح الورقة التي يستخدمها العدو الصهيوني لاستبدال الصراع العربي – الصهيوني بالصراع العربي – الإيراني.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية قامت دول الخليج بالوقوع في فخ الصراع مع إيران عن طريق دعمها لصدام حسين، إلا أنّ العلاقات تحسّنت نسبياً بعد حرب الخليج الثانية (الغزو العراقي للكويت) 1991، وفي الفترة الأخيرة ازداد التوتر بعد أن بدأت إيران في تطوير قدراتها النووية، حيث لعب العدو الأميركي والصهيوني دوراً في تزكية الفتنة، حيث أقنع حكام تلك الدول أنّ امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديداً لأمن الخليج. والغريب في الأمر أنّ هؤلاء الحكام يغضّون النظر عن الترسانة النووية التي يمتلكها العدو الصهيوني ولا يجدون فيها أيّ تهديد لأمن بلدانهم والمنطقة، في حين أنّ محاولة إيران امتلاك هذا السلاح النووي هو ما يهدّد الأمن والاستقرار كما يعتقدون، وتدخل هذه المحاولات الصهيونية ضمن الخطة الجهنميّة التي يستخدمها العدو الصهيوني لإنهاء الصراع العربي معه وخلق صراع جديد عربي – إيراني، وبذلك يتمكن العدو الصهيوني من استكمال مشروعه بنجاح.

  لكن ورغم كلّ هذه المحاولات الصهيونية سيظلّ الصراع العربي – الصهيوني هو أطول صراع في التاريخ ولن ينتهي على المستوى الشعبي مهما فعلت الحكومات من معاهدات مزعومة للسلام مع ذلك العدو الصهيوني، ففي الوقت الذي يقوم فيه بعض حكام الدول العربية بعقد اتفاقيات «سلام» كما حدث مع (مصر وفلسطين والأردن) ثم الاتفاقيات الحديثة مع (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) تجد الشعوب العربية في هذه الدول رافضة لهذه الاتفاقيات، وترى العدو الصهيوني هو عدوها الأول، وبالطبع لا تجد هذه الاتفاقيات أيّ صدى ايجابي داخل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج.

لذلك لا بدّ من تصحيح البوصلة العربية تجاه إيران وفتح حوار تفاوضي حول القضايا الخلافية معها، فهي جارة. ومن الطبيعي أن نتفق أو نختلف معها، لكن لا يمكن أن تتحوّل إلى عدو يصرفنا عن عدونا الأساسي المشترك الذي يغتصب الأرض العربية ويقتل ويشرّد الشعب الفلسطيني ويهدّدنا جميعاً بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وليعلم العرب أنّ امتلاك إيران للسلاح النووي في اللحظة الراهنة لن يكون مهدّداً لنا كما يشيع العدو الصهيوني بل التهديد الحقيقي لكيانه الهش، لذلك يهدّدون الآن بضرب المنشآت النووية الإيرانية، بعدما وجدوا هناك نيّة أميركية للعودة للاتفاق مرة أخرى مع إيران، خاصة بعد وصول إبراهيم رئيسي لسدة الحكم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى