مقالات وآراء

مسؤولية المنظومة السياسية والمالية عن زهق أرواح الأبرياء…!

} علي بدر الدين

المأساة، الفاجعة، التي حلت بعائلات حويلي وقبيسي وزين، على الطريق الساحلية، وخسروا عائلة بكاملها، الأم وبناتها الأربع بعمر الورود وأحد أقربائهم الشاب الربيعي العمر حسين زين، لم تكن صدفة، أو نتيجة خطأ أو سوء تقدير لحركة المرور واتجاه السير، وهي ليست الجريمة الأولى التي تقترف بحق المواطنين المسالمين العابرين إلى أعمالهم والبحث عن أرزاقهم وتأمين متطلبات وضرورات حياتهم، ولن تكون الأخيرة، في ظلّ إمعان السلطة السياسية والمالية الحاكمة في نهج الفساد والسطو ومصادرة حقوق الإنسان وكرامته ولقمة عيشه، ووضع اليد والسيطرة على مقومات حياته، وحرمانه وإذلاله في الوقوف ساعات، بل أيام في طوابير الذلّ والمهانة والقهر على محطات الوقود، الممسوكة والمملوكة من تجار الاحتكار والجشع والطمع، بالتواطؤ مع مسؤولين وأزلامهم ومن يمثلهم لتحصيل المزيد من الأرباح وتكديس الأموال وتخزينها في صناديقهم الحديدية المحكمة الإقفال، وتهريبها سراً وعلانية إلى المصارف الخارجية، «على عينك» يا دولة ويا شعب، ومن دون حسيب او رقيب او رادع أخلاقي، أو صحوة ضمير، أو إنسانية مفقودة ومعدومة من الأساس.

هذه السلطة المتاجرة بأرواح الناس وحقوقهم وأرزاقهم، والفاجرة لا تقيم وزناً لحياة هؤلاء الذين يدفعون كلّ يوم حياتهم على قارعة الطرق، وأمام محطات الوقود والمصارف والصيدليات والأفران وفي المتاجر والمستشفيات، التي لم يرفّ لها جفن، ولم تتحرك فيها الإنسانية، ولم تصحُ ضمائرها أمام هول انفجار مرفأ بيروت وكارثيته ومئات الشهداء الذين سقطوا، وآلاف الجرحى وتدمير مدينة بكاملها، تواصل اتباع سياسة التفقير والتجويع و»الإبادة» الجماعية من خلالها، من دون ان تشبع، أو تضع حداً لسلوكها المشين، وكأنها ليست في مواقع المسؤولية السلطوية، أو كأنها تعيش في كوكب آخر، لها فيه مصالحها ولحماية ثرواتها وامتيازاتها ومواقعها في السلطة التي تتصرف على أنها مطوّبة بإسمها حصراً، وقد انتقلت اليها بالوراثة، تاركة هذا الشعب المسكين يصارع نفسه وقدره، ويواجه مصيره بلحمه الحي وبإمكاناته المعدومة، بعد ان «شلّحته» كلّ شيء، ورمته في مهب الريح.

كيف لهذه السلطة ان ترأف بحال هذا الشعب، وهي بلا رأفة وبلا ضمير، وكيف لها ان تتأثر بنكبة عائلة بكامل أفرادها ظلماً، ومن دون ذنب، ذنبها الوحيد أنها ولدت في هذا البلد المنكوب، وأرادت العيش بكرامتها على أرضه، وراحت تبحث عن مادة البنزين، في أماكن أخرى، غير المنطقة التي تقنطنها علها تؤمّن القليل منه، للزوج والأب، الذي اضطرته الظروف المعيشية الصعبة جداً في وطنه، للتوجه الى ليبيريا، إحدى دول افريقيا الغربية بعد أن تفشت البطالة في لبنان وفقد عمله، بسبب سياسة الفساد والمحاصصة والإهمال وانعدام المسؤولية من حكام لبنان، الذين لم يتركوا خياراً أمام الشباب اللبناني ومنهم عماد حويلي، سوى الهجرة والهرب من واقع مزر، وسيّئ، بعد أن فقد كلّ أمل، في إيجاد عمل ولو بالحدّ الأدنى لسدّ رمق عائلته المؤلفة من أمّ وأربع بنات، وحتى لا يستوطن الفقر في بيته ولا يجوع أطفاله.

من سوء حظ هذا الأب المفجوع، أنه بعد أشهر من هجرته، تعرّض لوعكة صحية شديدة (الملاريا)، الذائعة الصيت والمنتشرة في القارة الأفريقية، ما استدعى عودته على عجل الى لبنان لمتابعة العلاج ويكون إلى جانب عائلته، إلا أنّ الفاجعة حلت بالعائلة قبل هذه العودة، المقرّرة اليوم، وبدلاً من ان تكون العائلة في انتظاره واستقباله واحتضانه، بفرح اللقاء الموعود، ترقد أجسادهم الطاهرة والطرية في براد المستشفى، يعود الأب مطوّقاً بالحزن والأسى والحسرة، على فقدهم، لإلقاء النظرة الأخيرة الوداعية عليهم قبل ان يحتضنهم الثرى.

إنّ السلطة السياسية والمالية الحاكمة بكلّ منظومتها ومكوّناتها، هي المسؤولة مباشرة أو غير مباشرة عن موت عائلة بكامل أفرادها، وعن تهجير الأب، كما هي المسؤولة عن انفجار الرابع من آب، وعن كلّ الارتكابات والحوادث والكوارث الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، لأنها هي من أفرغ البلد من كلّ مقوّمات الحياة الكريمة للشعب ليعيش كما الشعوب الأخرى، في ظلّ دولة العدالة والمؤسسات والدستور والقانون واحترام حقوق اللبنانيين في كلّ المناطق، ومن كلّ الطوائف، لأن لا حياة ولا حقوق ولا كرامة في ظلّ طبقة سياسية ومالية فاسدة ووقحة، لا همّ عندها سوى الحفاظ على مواقعها السلطوية حاضراً ومستقبلاً. وحماية ثرواتها وسلب الأموال العامة والخاصة، ومصادرة خيرات الدولة والشعب والمؤسسات، والتواطؤ مع «مافيات» الاحتكار على أنواعها وأشكالها.

هذه السلطة التي أباحت لنفسها وأزلامها والمرتهنين لها، سحب «اللقمة» من أفواه الشعب، يجب أن تحاكم وتحاسب اليوم قبل الغد، على كلّ ما اقترفته وارتكبته بحق الوطن والناس، لأنها على ما هو واضح، لن تتراجع عن نهجها وسياستها حتى لو انهار البلد بكامله، المهمّ ان تبقى حاكمة متحكمة، لاعتقادها، انها لا تزال قادرة وقوية ومتماسكة في مواجهة الشعب وتفقيره وتجويعه وإذلاله، مراهنة على ضعفه واستسلامه لقدره الذي صنعته له، ولكن كما يُقال، دوام الحال من المحال، ولا أحد فوق رأسه خيمة، فالظالم سيبلى بأظلم، والهيكل سيسقط على رؤوسهم ولو بعد حين.

الرحمة والمغفرة للأمّ فاطمة قبيسي ولبناتها الأربع (زهراء وآية وتيا وليا)، والصبر الجميل والعزاء للأب المفجوع  ولعائلات حويلي وقبيسي وزين الذين أدموا قلوب اللبنانيين على مساحة الوطن والاغتراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى