مقالات وآراء

التكليف والتأليف في السياسة… والناس تتقلّب على جمر الاقتصاد؟

}  أحمد بهجة*

هناك تداخل كبير بين السياسة والاقتصاد في كلّ دول العالم، لكن هذا التداخل في لبنان يشكل المفصل الأساسي في حياة الدولة والمجتمع، كون القرار السياسي يطال كلّ تفاصيل دورة الاقتصاد الوطني.

ولعلّ السبب الأساسي في ذلك هو غياب الاقتصاد الإنتاجي الذي تدور دورته كاملة في معظم دول العالم من دون حاجة إلى تدخل مركزي من الدولة إلا في حدود رسم السياسات الكبرى ووضع الخطط الاستراتيجية والبرامج الضريبية المناسبة لتوظيف العائدات بشكل عادل وجعلها في خدمة المجتمع كله، وكذلك تأمين أفضل العلاقات مع الخارج من أجل فتح الأسواق الخارجية ومساعدة المنتجين على تيسير أعمالهم في كلّ النواحي.

وربما تقصّد ذلك المسؤولون في لبنان الذين غيّبوا الاقتصاد الإنتاجي طيلة العقود الثلاثة الأخيرة لمصلحة اقتصاد الريع والمضاربات المالية والعقارية، حتى تبقى كلّ المفاصل في أيديهم فيتحكّمون بيوميات الناس ويرهنون إرادتهم وخياراتهم بوظيفة من هنا أو بخدمة من هناك، بدل أن يكون تأمين هذه الخدمات أمراً بديهياً ومتاحاً أمام الجميع.

اليوم… وقد أوصلتنا تلك السياسات إلى ما نحن فيه من أزمات ومشاكل، وبتنا بحاجة إلى عملية إنقاذ كبيرة جداً، يأتي من يطرح علينا أن نسلّم الدفة من جديد إلى أحد الذين جرّبهم اللبنانيون وخبروهم في مجالات كثيرة سواء حين كانوا في سدة المسؤولية أو من خلال أعمالهم في القطاع الخاص وما عليها وحولها من علامات استفهام كبيرة؟

الحجة التي علينا أن «نقتنع» بها هي أنّ تكليف شخص مثل الرئيس نجيب ميقاتي من شأنه أن يوفر الاستقرار، لأنه يحظى برضا الغالبية العظمى من «الشارع السني»! وبالتالي حين يتوفر الاستقرار تتوفر الأرضية المناسبة للحديث في الاقتصاد والإصلاحات وكيفية الخروج من هذا النفق المظلم.

وعليه، يكون التكليف تكليفاً سياسياً بالدرجة الأولى، وتأتي بعده مرحلة التأليف وهي في السياسة أيضاً بكلّ ما سوف يتخللها من تجاذبات وشدّ حبال وخطابات رنانة ومواقف عالية النبرة وحسابات طائفية ومذهبية مقيتة، حتى إذا تمكن الرئيس المكلف من تشكيل الحكومة نعود إلى ما بدأنا به حيث يتداخل السياسي بالاقتصادي، لأنّ مجرّد حصول التكليف أولاً، بغضّ النظر عمّن هو المكلف، ثم تشكيل الحكومة ثانياً، بغضّ النظر عن حجمها وعدد وزيراتها ووزرائها، سوف ينعكس إيجاباً على سوق القطع لنشهد تحسّناً في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وربما في مرحلة لاحقة نشهد استقراراً في سوق النقد، طبعاً إذا استمرت الإيجابيات السياسية، وإذا سارت الحكومة العتيدة بعض الخطوات على طريق الإصلاحات الموعودة.

لن نتوسّع أكثر بانتظار ما سنراه من تطورات هذا الأسبوع، لكن ما نأمله مع اللبنانيين جميعاً هو أن تُحسن الطبقة السياسية التصرف هذه المرة، وتنتج الحدّ الأدنى من التوافقات السياسية، لأنّ الناس تتقلّب على جمر الانتظار ولم تعد تحتمل أيّ مماطلة أو تأجيل، فقد وصلت الأزمة إلى أقصاها على كلّ المستويات، وهي تطال مقوّمات الحياة اليومية من دواء وغذاء ومحروقات، أولاً لفقدانها من الأسواق وثانياً للغلاء الجنوني في أسعارها إذا وُجدت، مع ما تسبّبه هذه الأزمات من كوارث إنسانية مؤسفة تدفع ثمنها عائلاتنا في كلّ المناطق…

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى