ثقافة وفنون

أزياء وشعوب…

} سارة السهيل

بالرغم من سطوة العولمة على حياتنا اليومية، وسيطرة بيوت الأزياء العالمية على تصميم ملابسنا في العالم شرقاً وغرباً، حتى صرنا نشبه بعضنا بعضاً بلا هوية ولا خصوصية، إلا أن هناك أنماطاً من الهويات الثقافية والحضارية أبت أن تنمحي، وحافظت على بقائها وأصرت على خصوصيتها وتفرُّدها مخلدة ذكرى حضارات قديمة وثقافات بعيدة متمثلة في الملابس الوطنية للشعوب.

هذه الملابس ننظر إليها في عالمنا اليوم، من خلال مشاهدتها في المهرجانات والمناسبات الوطنية والأفراح والأعراس بكلّ احترام وتقدير، ونشعر معها بكلّ معاني البهجة والدهشة، لأنها تأخذنا في سياحة ثقافية وحضارية إلى أزمنة بعيدة، نتخيل معها كيف عاشت الأمم التي سبقتنا على الكوكب الأرضي، وكيف كانت نظرتهم إلى معاني الجمال وتجلياته، وكيف استفادوا من معطيات بيئتهم الجغرافية والثقافية في إبداع أزياء تعبر عن ذواتهم وعن رؤيتهم للحياة والجمال.

فتنوّع الجزر في إندونيسيا أدى إلى تنوع خيوط «التطريز» والألوان والتراث الثقافي للمجموعات المنتمية إلى كل جزيرة. وتعكس ملابس المكسيك الفلكلورية المشهورة بزي الماتادور؛ ثقافة وحضارة بلاد الأزتك، اللاتينية. وتزدهر تلك الملابس بالنقوش الرائعة والتطريز الجميل الذي يتألق به ثوبها ويُسمى (اسكاراموسى) وهي ملابس تقليدية عندنا تستخدم في الاستعراضات والرقصات الفلكلورية.

وتعد «السومبريرو أو السمبريرا» وهي القبعة الكبيرة رمزاً وطنياً وثقافياً لشعب المكسيك، كما يرتديها المطربون الشعبيون مع ثوب من دون أكمام يتم ارتداؤه فوق اللباس العصري. وتصنع هذه القبعة من القش بالنسبة للفلاحين بينما تصنع من الشعر بالنسبة للأثرياء، وتصمم بألوان وأنماط منسوجة وزينة مختلفة؛ وتستخدم غالباً في الاحتفالات المكسيكية التقليدية، خاصة من قبل المجتمعات خارج المكسيك.

في البرازيل ترتدي النساء «التنانير» المتعطشة، فوقها الفساتين الطويلة الساطعة، و»فاتا» وهو الثلج الأبيض، ورايات على الكتفين، والأحذية – تامانكو، وتشبه أحذية الرجال، وتتوّج قصات الشعر المعقدة بعمامة خفيفة، بينما يزيّن العنق والذراعين بكافة أنواع الأساور والخرز المصنوعة من الحجارة والريش المشرق.

ويحمل الزي الوطني البوسني ألواناً نارية متدفقة مفعمة بالحيوية خاصة اللون الأحمر، مع تأثيرات مختلفة؛ لتعكس فسيفساء البشر والثقافات الموجودة في بلاد البلقان، بينما يظهر الطابع العثماني في غطاء الرأس، ويغلب اللون الأحمر على النقوش والتطريز، ويتشابه في تصميمه مع كثير من البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني مثل سورية والبلقان.

أما زيّ الفلامينكو الذي ترتديه راقصات الفلامنكو خلال أدائهم، هو ثوب طويل يصل إلى الكاحل ويتزيّن بالكشكشة على التنورة والأكمام بألوانه الزاهية، والشعر مصفّف على شكل عقدة ويرافقه عباءة على الأكتاف. وأشهر فستان فلامينكو هو «الباتا دي الكولا»، نسخة ذات ذيل طويل ترتديه خلال الرقصة التي تحمل نفس الاسم، وهي رقصة معقدة وجميلة حيث تسيطر الراقصة على الذيل كما لو أنه يتحرّك بطريقة حيويّة من تلقاء نفسه.

 البافاري

يتميز الزي البافاري المنسوب الى ولاية بافاريا الألمانية، بالأناقة والتناسق، ويعد أحد الأزياء الأوروبية العريقة وتتنوع أشكاله في مهرجان أكتوبر في ميونيخ، بألوانه الأخضر والبني.

أما « ليديرهوسن « فيعد الزي التقليدي في ألمانيا، كان يرتديه أصحاب الأعمال الشاقة وهو مصنوع من النسيج الصلب والسهل التنظيف. واليوم فأصبح شائعاً خلال مهرجان البيرة في شهر أوكتوبر (Oktoberfest). وارتدى شباب النمسا الليديرهوسن من سنة 1930 حتّى 1970 أما الآن فيرتدونها في المناسبات الخاصة.

 الروسي

ويعد « سارافان « من أبرز الأزياء التقليدية الروسية في العالم لتميزها بالألوان الزاهية وبقبعة الرأس الشهيرة والمعروفة باسم كاكوشنيك. فالملابس التراثية الروسية تمتاز بتعدد الألوان والتطريزات والزخارف.

 الساري الهندي

حافظ الشعب الهندي على تراثه وحضارته القديمة عبر محافظته علي زي الساري بأقمشته وألوانه الزاهية والتي تعكس حب الحياة، وهو زي غال الثمن. و يتكون من شريط طويل من القماش غير المخاط، يمكن لفه بعدّة أساليب، منها لفّه حول الخصر، ثم تُرفع إحدى النهايات فوق الكتف مبرزةً القليل من الجسد، ما يتلاءم مع مناخ الهند الرطب. يعود الساري إلى الحضارة الهندية التي ازدهرت خلال 2800-1800 قبل الميلاد حول الجزء الغربي من شبه القارة الهندية.

ويبرز عند شعب الصين زي «الهانفو: عاكساً هوية اللباس التقليدي لقومية الهان في الصين، بينما خلد الشعب الياباني زيه الوطني والتراثي المعروف باسم «الكيمونو» أو «الكَيْمُون»، ويمتاز بمنظره الجميل وألوانه الزاهية، خصوصاً الكيمونو النسائي. الكيمونو هو عبارة عن ثوب على شكل حرف T يصل طوله إلى الكاحل وله ياقة وأكمام عريضة. يلف الكيمونو حول الجسم بحيث يكون طرف اليسار فوق طرف اليمين، إلا في حالات الوفاة والدفن فيكون طرف اليمين فوق طرف اليسار، ويلفّ بِحزام يطلق عليه اسم أوبي يربط من الخلف لإحكام تثبيته. يترافق ارتداء الكيمونو عادة مع ارتداء زوج من الأحذية التقليدية التي يطلق عليها اسم زوري أو غيتا، مع زوج من جوارب الإبهام التي تدعى تابي.

أما الكيلت أو الإزار الاسكتلندي فهو لباس يرتديه الذكور في إسكتلندا يشبه الإزار اليمني، وهو جزء من الزي الشعبي لاسكتلندا ويصنع من نسيج صوفي محبوك..

 الكوفية العربية

حافظت الكوفيّة العربية الأصل على حضورها بقوة عبر القرون، هي لباس للرأس يتكون من قطعة قماشية من القطن أو الكتّان المزخرف بألوان عديدة أشهرها اللون الأحمر والأبيض والأسود، وهي مربعة الشكل، ويتم ثنيها غالبا بشكل مثلث، توضع على الرأس وأحياناً على الكتف. تعود الكوفيّة إلى حضارات ما بين النهرين القديمة، ويعتقد أنها هذه الأنماط اللونية قد استخدمت محاكاة لشبكات صيد السمك أو لسنبلة القمح والحنطة.

 كانت الكوفية رمزاً للرجولة والأناقة قديماً، وخلال العصر العثماني تميز العامة بوضعها على أكتافهم، وسكان الريف على رؤوسهم، بينما كان الأعيان يضعون الطربوش، أما الآن فأصبحت شهرة الكوفية عالمية.

إلا أن أمير القبيلة العربية يشتهر بوضع العقال المذهب على رأسه فوق الغترة وهو عبارة عن أكثر من طبقة ملفوفة من القصب الذهبي.

وانعكاساً للطبيعة الخلابة في جزر هاواي، فإنّ ملابس سكانها تعبر عن هذا الجمال والإبداع، ويتجلى ذلك في ما ترتديه نساء هاواي من قبعات مصنوعة من الزهور والأقمشة القصيرة المزهرة، وأيضاً من من أوراق الشجر التى حمتهم من شمسها الحامية.

كما تمتاز هاواي بـ «قميص ألوها» بنقوشه وتصميمه الذي يحكي حكايات البطولة في تاريخهم، عندما انفصلت وأصبحت دولة قائمة بذاتها، فعبروا عن فرحهم وبدايتهم بصناعة قميص أصبح هو الأشهر وارتداه النجوم مثل إلفيس بريسلي وجون واين. وصار هواة جمع الأشياء القديمة مجانين بجمع القمصان الأصلية من تللك المرحلة فى عمر هاواي.

القارة السمراء

أما الأزياء الأفريقية فتعرف بألوانها الفاقعة، كما تتلاءم مع الظروف المناخية الدافئة التي تعرفها أفريقيا السمراء.. وتتجلى فيها النقوش الواضحة والرسوم الجريئة، حيث تعبر عن وضع كل واحد منهم فى قبيلته والمناسبة التى يرتدي فيها هذا الملبس.

فالنساء ترتدين ملابس تدل على حالتهن إن كانت شابة أو متزوجة فإذا ارتدت المرأة القبعة والجيبة الطويلة فقط، فهي شابة غير متزوجة.أما إذا أضافت قطعة في منتصف الجسد فهي غالباً تُستخدم لحمل الطفل ما يعنى أنها متزوجة.

ويشتهر لباس»البوبو» في أفريقيا، وهو رداء بأكمام واسعة يرتديه معظم الرجال في غرب أفريقيا، وارتدته شعوب توكولور الإسلامية في القرن الثامن، وخلال عهد إمبراطوريات مالي وسونغاي في القرن الـ 13..

وتتنوع أشكال اللباس الوطني في القارة السمراء حسب مناطقها المتنوعة، فالرداء الأفريقي بسيط في تصميمه إلا أنّ الوانه تجذب الأنظار، خاصة بين الطوارق الذين عرفوا بأروابهم النيلية المصبوغة الجميلة.

ويلعب الخرز دور البطولة في تصميم أزياء قبائل ماسي شبه الرحل الأفريقية، فهم يعيشون على تربية المواشي، وينتشرون في كينيا وشمال تنزانيا، يعتبر الخرز أبرز مميزات ملابسهم. فالعقود الخرزية الكبيرة، والأقراط الطويلة كالشلالات، والأساور ترتفع حتى الذراعين تميز زيهم القومي، ويدل تصميم كل منها على عمر الشخص، وهويته ومكانته الاجتماعية. الخرز الأبيض يدل على الحليب، الأحمر على الدم، الأسود لون البشرة، البرتقالي يدل على الوفرة، والأزرق يرمز للرب وهو لون السماء، الأخضر يدل على الغطاء النباتي بعد هطول المطر، وهو رمز للسلام.

أمَّا في شرق أفريقيا فـ «الكانزي» هو القميص التقليدي للرجال الذين يتحدثون السواحلية، وترتدي النساء «الكانجا» و»الجوميز».

 وفي جنوب أفريقيا يرتدون القمصان المميزة كالفساتين الطويلة، على سبيل المثال؛ تعرف جنوب أفريقيا بقميص «ماديبا»، بينما تعرف زمبابوي بقميص «السفاري».

وفي القرن الأفريقي تختلف الملابس تبعاً لكل بلد ففي إثيوبيا يرتدي الرجال البدلة الإثيوبية وترتدي النساء «القميص الحبشي»، وفي الصومال يرتدي الرجال «شميز» مع قبعة صغيرة تسمى الكوفية.

 تنوع ثقافي

أما شعوب يوروبا 20 الذي يتجاوز عددهم نحو 20 مليون نسمة، وهم أبرز الممارسين للشعوذة في العالم، فيمتازون بأزياء تقليدية تعتمد على الخرز وتعود إلى ق 16. وتبرز أعمالهم الخرزية في الحفل التنكري السنوي «إغونغون»، حيث يرتدون أزياء مطرزة بالخرز، وتغطي كل الجسد والوجه.

وتشتهر أزياء شعوب نيهانغ بالطريقة التي يلف بها الرجال رؤوسهم بالقماش بأعداد أمتار كثيرة قد تصل إلى 400 متر، وتطلب أكثر من مئة دبوس لتثبيته، و50 قطعة معدنية تحمل رموزاً دينية. يبرز هذا الزي لدى طائفة السيخ خلال معاركهم مع المغول، لحماية الرأس من الضربات خلال القتال، ثم أصبح يحمل معاني روحية ودينية.

هذه الكرنفالات من الأزياء الوطنية والقومية للشعوب، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حرص الإنسان على هويته وثقافته وجذوره التي سعت أيادي التغيير الحديث والمعاصر إلى هدمها وردمها لصالح الآلة، ولصالح أصحاب المصالح، لكن الإنسان يصارع بهذه الأزياء على بقاء هويته وقوميته رغم كل هذه التحديات. فهل ينجح وسط تلاطم أمواج عصرنا؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى