نقاط على الحروف

حرب تشرين نقطة بداية لمسار تاريخي ونقطة نهاية لآخر

 ناصر قنديل

– مع مرور قرابة نصف قرن على الشرارة الأولى لحرب تشرين عام 1973 بات ممكناً رسم إطار تاريخي لقراءتها، بعدما كثرت الاجتهادات حولها في الأيام التي تلتها، فقد بات واضحاً بما لا يقبل الشك أن الحرب كانت بالنسبة للجيشين المصري والسوري وعقيدتهما القتالية، حرب رد الاعتبار للمكانة في مواجهة الآثار التي خلفتها هزيمة 1967، وحرب استعادة الثقة بالذات وبالقدرة على اتخاذ قرار الحرب وتحقيق الإنجازات الميدانية التي ترسم صورة لتوازن مغاير للذي رسمته حرب الـ67، وأثبتت السنوات التي تلت هذه الحرب أن الجيشين المصري والسوري ثابتان على هذا المنهج على رغم كل متغيرات السياسة التي عصفت بالبلدين، وبالتوازي قالت الحرب إنها في السياسة كانت بالنسبة للقيادة السورية مغايرة لما كانت عليه بالنسبة للقيادة المصرية، فكل ما جرى بعد الحرب يقول إن الحرب بالنسبة للقيادة المصرية السياسية ومعها قيادة النظام العربي الرسمي نهاية لمسار الصراع مع كيان الاحتلال، ولو تفاوتت أطر المجاهرة ونسبتها بالسعي لإنهاء الصراع، أو اختلفت المقاربات، فما جرى منذ اتفاقيات كامب ديفيد، ومن بعدها اتفاقيات وادي عربة وأوسلو، ومسارات التطبيع، تؤكد أنها تحت سقف واحد عنوانها اعتبار الحرب نهاية لمسار الصراع، وشرعنة كيان الاحتلال.

– بالنسبة لسورية وقيادتها سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد أو في ظل الرئيس بشار الأسد، قالت السنوات التي أعقبت الحرب أن خيار سورية الثابت هو إدامة الصراع مع كيان الاحتلال، وأن سورية عندما تشترك في أي نشاط سياسي أو دبلوماسي تحت عنوان السلام إنما تفعل ذلك، لتظهير عدوانية الكيان ووجوده خارج قواعد القانون الدولي، لتعزز شرعية خيار المواجهة وتمنح المقاومة المزيد من أسباب القوة القانونية والمعنوية، وهي تفعل ذلك مدركة أن الصراع لا يدور في ميادين القتال وحدها، بل هو صراع حول الرأي العام على مساحة العالم، وإذا راقبنا مسيرة السنوات التي مضت بعد الحرب سيثبت أن لا شكل من أشكال الاشتباك مع كيان الاحتلال لم تكن سورية سنداً له ولم تكن هناك مقاومة في لبنان أو فلسطين إلا وكان السلاح السوري مصدراً رئيسياً لمقدراتها وصناعة قوتها، كما سيثبت أن الإدارة السورية للمسارات السياسية انتهت دائماً إلى ترجيح كفة خيار المقاومة، بتظهير الأطماع الإسرائيلية سبباً لإطاحة كل جهد ومسعى لتطبيق القانون الدولي.

– على مستوى المنطقة كان هناك معسكر يسعى لخلق ظروف مؤاتية للتنصل من قضية فلسطين وشرعنة كيان الاحتلال ووجد في الحرب خياراً تكتيكياً مناسباً، وكان هناك سورية التي اتخذت الحرب خياراً استراتيجياً ووجدت في منابر الدبلوماسية منصات تكتيكية مناسبة، وقد مرت ظروف قاسية على سورية في مراحل عدة كان يبدو أن ثباتها على خيار الصراع عمل انتحاري، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وسيطرة أميركا على دفة القيادة العالمية وتفردها بإدارة العالم، وصولاً لحربها على العراق وتهديداتها لسورية، ووقفت سورية وحيدة، وتحملت الضغوط والحصار من دون أن تتخلى عن قوى المقاومة، وجاءت الحرب التي دمرت وخربت الكثير في سورية وهددت وحدتها، وسعت لانهائها ككيان وطني، عقاباً لسورية على هذا الثبات، وعلى رغم ذلك لم تساوم سورية ولم تضع ثوابتها على طاولة التفاوض، وحتى اليوم تتسابق العروض المقدمة لسورية تحت عنوان الاعتراف بنصرها وشرعنة هذا النصر وفك الحصار عنها، مقابل الاستعداد لإعادة النظر بموقفها من نهج الصراع مع كيان الاحتلال، لكن سورية تؤكد الثبات والتمسك بموقعها القيادي في محور المقاومة، وبأولوية ومحورية القضية الفلسطينية في سياساتها، وبتمسكها بحقها بتحرير الجولان كاملاً مهما كانت الكلفة.

– بمقدار التحية الواجبة لشهداء وجرحى الجيشين المصري والسوري والقيادات التي خططت وقادت الحرب، التحية واجبة لروح الرئيس الراحل حافظ الأسد على شجاعته وحكمته وحنكته، وهي واجبة حكماً للرئيس بشار الأسد على هذا الصمود الأسطوري والانتصار التاريخي، والموقع الحاسم في رسم خريطة للقوى في المنطقة تشكل المقاومة فيها الرقم الأصعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى