نقاط على الحروف

حقائق صادمة بمقارنة حربي 1973 و2023

ناصر قنديل
– باستثناء سورية التي وقفت في قلب حرب تشرين 1973 وبقيت في قلبها بعد انسحاب مصر منها بموجب فصل القوات في الكيلو 101، وتقف اليوم في قلب حرب 7 تشرين 2023 بعد خمسين سنة، تتقابل الحربان خلال نصف قرن شهد الكثير من التحولات، حيث الأولى حرب 1973 هي عملياً حرب كل العرب بجيوشهم وحكوماتهم ونفطهم. والثانية حرب 2023 هي حرب ينكر العرب حكومات وجيوشاً ونفطاً أبوتها وأمومتها ويتركونها يتيمة، ويتآمرون عليها في السر، ولولا إحراج مذبحة غزة المفتوحة وحجم الوحشية التي يبديها جيش الاحتلال في الحرب، لما ترددت بعض الحكومات في التقدم خطوة إلى الأمام في موقفها القائم على التطبيع مع كيان الاحتلال، نحو الإعلان عن مساندة كيان الاحتلال في هذه الحرب. وهي بدأت بفعل ذلك في الأيام الأولى، قبل أن تضطر للتراجع تحت ضغط فضائح المجازر وانفجار الرأي العام العالمي ضد حكومة الاحتلال وجيشه.
– الخواصر العربية الرخوة هي التي تخوض حرب 2023، مقابل البنى العربية الصلبة في 1973، وهي حرب فعلت الكثير الذي يجب أن يُحفظ ويُكتب ويبقى موضع افتخار لرد الاعتبار لقدرة العربي، دولة وحكماً وجيشاً وشعباً على المبادرة واتخاذ قرار حرب والفوز بها، لكن هذا لا يجب أن يمنع القراءة المقارنة بينها وبين حرب 2023. وفي حرب 1973 جنّد العرب كل شيء وانخرطوا بكل ما عندهم، من مال ورجال وسلاح وإعلام ومعنويات وأمن مدن ومجتمع، ورغم الانتصارات الباهرة التي حققوها في اليوم الأول، نجح جيش الاحتلال في اليوم الثالث باحتواء الهجوم، وإحداث اختراقات مهمة على الجبهتين المصرية والسورية، مع وصول الإمداد الأميركي المفتوح، وقصف العمق المصري والسوري. بينما نحن هنا في حرب 2023، أمام حرب لم تكلّف العرب قرشاً واحداً، ولا بندقية ولا طلقة ولا دبابة ولا طائرة ولا صاروخاً، ولم تتعرض خلالها عاصمة عربية لغارة أو قذيفة، ولا تشارك الجيوش والشعوب العربية بتحمل ضريبة الدم والخسائر البشرية. فقد تحملت إيران عبء التمويل، وتقاسمت مع سورية مسؤولية التسليح والذخائر، وبنت المقاومات مؤسسات صناعيّة ساهمت بتأمين الكثير من الذخائر والأسلحة أيضاً، وتقاسمت تشكيلات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن مسؤولية إطلاق النار، وتوزع عبء الدماء بين المقاومين أو الجنود في الحرب بين جبهتي فلسطين ولبنان. وكان العبء الأكبر للدماء والخسائر البشرية على فلسطين، وغزة بصورة خاصة، ورغم ذلك ندخل اليوم الأربعين ولم ينجح جيش الاحتلال بعد في التقاط أنفاسه، وهو بين فكي كماشة مفتوحتين من الشمال والجنوب، يضغط على عنقه أكثر فأكثر، والعواصم العربية بعيدة عن خطر النار، ومجموع الخسائر العربية الذي تتحمّله غزة، لا يزال أقل من خسائر حرب 1973 وخسائر الاحتلال أكبر من خسائره في حرب 1973، وعمقه تحت النار، ومستوطنوه مهجَّرون، واقتصاده مشلول، وصورته سوداء، والعالم ينقلب ضدّه، وجيشه لا يجد فرصة نصر واحدة، لصورة تذكارية واحدة.
– تمتاز حرب 2023 بأن الثقة بين المشاركين فيها لا تشوبها شائبة، وخطر الخيانات فيها معدوم، واحتمال الانفراد صفر، ذلك أن درجة التماهي في تحديد الرؤى الاستراتيجية والأهداف التكتيكية وتحديد كيفية إدارة الحرب ومرجعياتها، لا لبس فيها ولا اشتباه حولها، بعكس حرب 1973 التي انفرط عقد الشراكة في خوضها منذ اليوم الثالث، وبدأت الاتصالات المصرية السعودية الأميركية لترتيب وقف النار، وإنهاء استخدام سلاح النفط، وتركت سورية وحيدة في حرب الاستنزاف حتى حزيران 1974؛ بينما الذي يجري في حرب 2023 أنه كلما مرّ المزيد من الوقت تصلّب عود المقاومة في فلسطين، وزاد منسوب شراكة جبهات لبنان واليمن والعراق، وبينما كان التدخل الأميركي عام 1973 فائض قوة قادر على الإخلال بميزان القوى، فشل الأميركي في حرب 2023 بممارسة الردع، واضطر للتراجع طلباً لأمن قواعده العسكرية التي صارت تحت النار.
– في عمق المدى الجغرافي للتهديد العسكري بين الحربين، يسهل التعرف على حقيقة صادمة، وهي أن حرب 1973 كانت تدور خارج فلسطين، والتهديد الاسرائيلي بقي قائماً تجاه العمق العربي، خصوصاً في سورية ومصر؛ بينما في حرب 2023، فكل فلسطين التاريخية، بما فيها الأراضي المحتلة عام 1948، تل أبيب وحيفا وبئر السبع وإيلات، ومستوطنات الشمال والجنوب تحت النار الحقيقية. ويكفي أن نعلم أن مدى التوغل البري الذي تحقق في طوفان الأقصى في غلاف غزة هو 40 كلم، بينما لم يتجاوز التوغل في الأراضي السورية والمصرية المحتلة الـ 20 كلم في حرب 1973، علماً أن توغل 2023 تم في قلب مستوطنات مأهولة، بينما توغل 1973 جرى في أراضٍ بلا سكان وإن وجدوا، فهم من العرب.
– تستحق حرب فلسطين 2023، أو حرب الطوفان، أو حرب 7 تشرين، وهي لا تزال مستمرة أن تعامل بصفتها أهم حروب العرب، وأقلها تكلفة على حكوماتهم وشعوبهم، ولذلك فهي تستحق منهم، شعوباً على الأقل أن يسدّدوا بعضاً من ثمن ما تمنحهم إياه من فخر وكرامة، بما هو أكثر مما تفعله شعوب العالم من إبداء التضامن والدعوة لوقف العدوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى