مرويات قومية

جولة الأمينة الأولى عام 1950 إلى مناطق الشمال السوري

كنت أعددت هذه النبذة استناداً الى عديد من المراجع، ومنها النشرات الرسمية. في نيسان 2014، وجهت الى عدد من المنفذيات التي شهدت جولة الأمينة الأولى ما يعني كلاً منها، وذلك من أجل:

ـ التدقيق في المعلومات الواردة

ـ إبداء أيّ تصويب او إضافات،

وأوردت لعدد من تلك المنفذيات أسئلة تحتاج الى توضيح.

لمّا لم أتسلّم الاجوبة المفيدة بسبب الأحداث التي شهدتها المناطق الشامية، أعمّم النبذة كما كنت وضعتها آملاً من كل رفيق، او صديق، يملك ما يفيد تلك النبذة ان يكتب الى لجنة تاريخ الحزب.

*

مساء الخميس 31 آب 1950 وصلت السيارة التي كانت تقلّ الأمينة الأولى وطفلاتها الثلاث (صفية، أليسار وراغدة) إلى مرمريتا وبرفقتها سيارة أخرى تحمل عدداً من رفقاء مديرية تلكلخ المستقلة وقد جرى لها استقبال حاشد من الأهالي، وأدى الرفقاء الذين وقفوا صفوفاً بديعة النظام التحية، فيما راحت تستعرضهم، وإلى جانبها صغيراتها الثلاث.

أثناء وجودها في مرمريتا رعت الأمينة الأولى مباراة رياضية في كرة القدم جرت بين فريق «الزوبعة» الرياضي وفريق آخر.

عند مدخل الملعب استعرضت الأمينة الأولى صفوف القوميين الاجتماعيين وسط الهتافات بحياة سورية وسعاده. قبل بدء المباراة ألقى الرفيق عيسى اليازجي(1) كلمة جاء فيها: «على بعد خطوات قليلة من المكان الذي وقف فيه سعاده الخالد وأصبح لنا مكاناً مقدساً، نجدّد العهد بأن نستمرّ في الحياة التي أطلقها فينا سعاده، بصلابة لا تُــقهر، مهما اعترض الطريق الطويلة من المشاق والآلام والدموع».

ثم تكلم بلسان الأمينة الأولى منفذ عام حمص وقد أنهى كلمته بالقول: «اعملوا بيقين، انّ عملكم لإنجاح رسالة سعاده التي هي قضية أمتكم لهو التعزية الوحيدة لحضرة الأمينة الأولى».

جدير بالذكر أنّ فريق الزوبعة الرياضي في مرمريتا خاض مباريات عديدة ناجحة، فقد تغلب عام 1945 على منتخب «نادي الهلال الحمصي»، وعام 1946 على منتخب «نادي الشبيبة الكاثوليكية» في اللاذقية وعام 1948 على «منتخب الكورة».

وكانت الأمينة الأولى قد خصصت معظم ساعات النهار مفسحة المجال لجميع أهالي مرمريتا للتعرّف إليها، وكانت تستفيد من ساعات الفراغ لتجتمع إلى القوميين الاجتماعيين تحدثهم عن مآثر سعاده وعن قضية الحزب وتاريخه.

كذلك تحدثت الأمينة الأولى عن مشاكلنا الاجتماعية وعن الحلول التي تقدّمها النهضة القومية الاجتماعية، كما أسهبت في التحدث عن الأسرة السورية وحرية المرأة وكيفية تعرّف الأمينة الأولى على التعاليم السورية القومية الاجتماعية وانتمائها إلى صفوف الحزب.

يوم الأربعاء 6 أيلول توجهت الأمينة الأولى إلى قلعة الحصن، يرافقها كلٍّ من منفذ عام حمص، منفذ عام الحصن الغربي ومديرة السيدات القوميات الاجتماعيات في مرمريتا، فوصلت إلى القلعة عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر لتجد صفوف القوميين الاجتماعيين في انتظارها.

بعد أن استعرضتهم، ألقى الرفيق المحامي عيسى سلامة(2) كلمة بليغة بلسان الأمينة الأولى، قوطعت بالتصفيق والهتاف لسورية وسعاده.

ثم تجوّلت الأمينة الأولى في دهاليز القلعة وأبراجها وأقبيتها ثم دوّنت الكلمة التالية في سجل القلعة الخاص:

«إنّ آثار أمتي دليل على عظمتها ورقيّـها واستعدادها الدائم في بناء المدنية، والنهضة السورية القومية الاجتماعية تعود من جديد لبناء مدنيات جديدة. وهكذا تتابع المدنيات اثر بعضها وستستمرّ في هذا العطاء العظيم محتفظة بقدرتها الدائمة للمحافظة على مستوى راق جداً من المدنية والحضارة».

ثم تناولت الأمينة الأولى وصحبها طعام الغذاء في منزل الرفيق جبر المعماري.

أثناء زيارتها الى «قلعة الحصن» علمت الأمينة الأولى انّ الزعيم ترك كلمة في سجل القلعة المفتوح للزوار عند المدخل ووجدت الكلمة بعد ان بحثت عنها وهي بخط يده وفيها يقول: «لقد مشى الفاتحون على آثار أجدادنا أما نحن فسنضع حداً للفتوحات».

*

في السادس عشر من أيلول وصل إلى مرمريتا عميد الإذاعة ـــــ نائب دمشق الأمين عصام المحايري، وعميد التدريب (عميد الدفاع) الأمين عبدالله محسن، وقد استقبلا بحفاوة وألقى العميد المحايري كلمة في الأهالي والقوميين الاجتماعيين.

في اليوم التالي توجهت الأمينة الأولى والعميدان المحايري ومحسن وجمع من القوميين الاجتماعيين إلى قرية «حب نمرة»(3) التي تبعد مسافة أربع كيلومترات عن مرمريتا، مشياً على الأقدام بين الصخور والأشواك. وقد استقبلت القرية بأجمعها، الأمينة الأولى، ونزلت في بيت الرفيق بديع كاسر أحوش (الامين لاحقاً) حيث ألقى عميد الإذاعة كلمة بلسان الأمينة الأولى دعا فيها أهالي القرية إلى وجوب ترك الحزبيات المحلية والنزعات الفردية والمصالح الخصوصية والعمل فقط للنهوض بالأمة، وقال: «إذا كان بعض المصلحيين الأنانيين يعتقدون أنّ الجاه كلّ الجاه هو في استغلال جهود أبناء الأمة فإننا نحن القوميين الاجتماعيين نرى أن في آلامنا ودمائنا يكمن جاه الأمة وعزتها».

في 18 أيلول غادرت الأمينة الأولى مرمريتا متوجهة مرة ثانية إلى قلعة الحصن يرافقها العميدان المحايري ومحسن، حيث لقيت استقبالاً حاشداً من الأهالي والمواطنين، وبعد تجوال في أروقة القلعة وأبراجها دوّن كل من العميدين، منفذ عام الحصن الغربي، والرفيق عيسى اليازجي كلمة مناسبة في سجل القلعة الخاص، ثم ألقى العميد عبدالله محسن كلمة جاء فيها:

«أيها الجنود القوميون الاجتماعيون

أنتم جنود بكل ما في هذه الكلمة من معنى، جنود تقاتلون الآن المفاسد الكامنة في جسد أمتكم وستدعون في الغد القريب للذوْد عن حياض وطنكم ولاسترجاع ما استبيح من أجزائه.

أنتم هنا أمثولة من هذا الحصن القائم، تركها أباؤكم وأجدادكم، هي أمثولة العزة والكرامة.

وأضاف: نحن لا نندب الأمجاد ونبكيها، بل نبنيها».

وألقى عميد الإذاعة كلمة هذا بعض ما ورد فيها:

«أنتم هنا تمثلون الأمة السورية الجديدة، الأمة المتطهّرة من مفاسد قرون الاستعباد، من أدران الطائفية الخانعة، من ربقة الإقطاعية، من الفردية المكبلة للنفس، المعطلة للفكر.

أنتم هنا في هذا الحصن بالذات حصن آخر ومعقل آخر، أنتم هنا تمثلون أبطال الأمة الذين يتدافعون للموت واثقين ان في موتهم حياة الأمة وخلودها».

من قلعة الحصن توجهت حضرة الأمينة الأولى يرافقها العميدان المحايري ومحسن وموكب من القوميين الاجتماعيين والمواطنين إلى قرية «عمار الحصن»، التي كانت طريقها ضيّقة وعرة، فما ان وصلتها حتى راحت أجراس الكنائس ترحّب بقدومها. وعلى طريق فُـرشت بالسجاد، ووسط الصفوف المتراصة الرافعة يدها بالتحية القومية الاجتماعية مشت الأمينة الأولى حتى بلغت دار مدير مديرية عمار الحصن الرفيق شاكر الخال».

بعد استراحة قصيرة ارتجل العميد المحايري كلمة طويلة جاء فيها: «إنّ رسالة سعاده تعلن للعالم انّ الأمة السورية تأبى أن تنساق في نعم السلام لأنها ترفض أن تسلّم نفسها للعبودية والإرادات الأجنبية تحت ستار مصلحة السلام.

السلام الذي ننشده هو سلامنا نحن، هو سلام مجتمعنا وأجيالنا الطالعة، وفي هذا السلام نبني نفسية جديدة تأبى أن تهاون أو تستسلم».

ثم ارتجل العميد محسن كلمة قال فيها:

«أيها القوميون الاجتماعيون.

لن أخاطبكم بغير هذه الكلمة لأن جميع مَـن في هذه القرية هم قوميون اجتماعيون لا أثر بينهم لتعصب طائفي أو حقد عائلي أو عشائري ولا وجود للإقطاعية بينهم.

إنكم قوميون اجتماعيون وان لم تقسموا اليمين القومية الاجتماعية، وهذه النواقيس المتعالية أصداؤها في الفضاء السوري شاهدة على ذلك فهي لم تعد تدلّ على طائفة تنتمي إليها بل هي الآن تعطي وحدة الأمة السورية كلها. وهي بأصدائها المتعالية في الفضاء السوري البديع تردّد صدى هتاف سعاده الخالد بتحية سورية وصدى هتاف القوميين الاجتماعيين بحياة سعاده، وستظلّ هذه الأصداء تتلاحق وتتجاذب في أجوائنا العالية البعيدة مع هتافات الأجيال المقبلة لتردّد كلها لحناً واحداً بديعاً هو، لتحي سورية وليحي سعاده».

وبعد أن تكلم منفذ عام حمص، ودّعت الأمينة الأولى أهالي القرية بكلمة أعلنت فيها أنها ستحمل شعورهم القومي النبيل في قلبها وأنها ستقوم بقسطها لتأدية رسالة سعاده الخالد مهما كانت الصعوبات والآلام التي تعترض طريقها».

بعد ذلك توجهت الأمينة الأولى وعميدا الإذاعة والتدريب إلى «تلكلخ» حيث كان الأهالي والقوميون الاجتماعيون في انتظارها، وبعد أن وضعت إكليلاً من الزهر على ضريح الرفيق خالد دندشي، وألقت كلمة قصيرة، وضعت إكليلاً على أضرحة الرفقاء: فاروق دندشي، فايز دندشي، محمد علي دندشي، وألقى عميد الإذاعة كلمة مناسبة.

وفي منزل السيد عبد الكريم الفياض الدندشي والد الرفيقين أكرم وعصام، تناولت الأمينة الأولى والعميدان المحايري ومحسن، والوفد المرافق، الغذاء، بعد أن كانت التقت الأهالي، والقوميين الاجتماعيين.

على أثر انتهاء مأدبة الغذاء وصل رتل من السيارات من صافيتا لمرافقة الأمينة الأولى إليها. عند الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الاثنين 18 أيلول استعرضت الأمينة الأولى صفوف القوميين الاجتماعيين في تلكلخ، ثم تحرك موكب السيارات باتجاه صافيتا.

الاستقبال الشعبي في صافيتا كان شاملاً. الأهالي اصطفوا على جانبيّ الطريق يهتفون مرحبين. النساء من شرفات المنازل ينثرن الزهور والعطور، والزغاريد تملأ الجو، والأيدي كلها مرتفعة بالتحية القومية الاجتماعية.

صافيتا كلها في الساحة العامة تستقبل رفيقة سعاده. وينطلق الهتاف:

– يا أبناء الحياة لمن الحياة، وتردّد كلّ الحناجر: لنا.

– لمن نحيا، والأهالي مع القوميين الاجتماعيين صوت واحد: لسورية.

وسط هذا الترحيب توجهت الأمينة الأولى والعميدان المحايري ومحسن، ومنفذ عام حمص إلى منزل المنفذ العام الرفيق الدكتور صادق طيار، حيث ابتدأ أهالي صافيتا يفدون للسلام على الأمينة الأولى وليصغوا إليها تحدثهم عن الأمة والزعيم، وتوقظ فيهم وعيهم لحقيقتهم.

مكثت الأمينة الأولى خمسة أيام في صافيتا، ويوم السبت 23 أيلول غادرت صافيتا كما وصلتها، متوجهة إلى قرية بعمره، القومية الاجتماعية بأكملها والتي هرعت كلها لتستقبل الأمينة الأولى، وعند مدخل القرية يصرخ ناظر التدريب: «استقم، للأمينة الأولى سلام خذ» فيقف الأهلون كلهم صفوفاً منتظمة رافعين الأيدي بالتحية القومية الاجتماعية، وتستعرض الأمينة الأولى صفوف هذه القرية القومية الاجتماعية التي فجّـر الوعي فيها شيخها الرفيق إبرهيم محمد عبد الرحيم(4).

أول المتكلمين كان الرفيق ياسين إبرهيم عبد الرحيم(5) الذي قال:

«نحن هنا يا حضرة الأمينة الأولى نجدد العهد الذي قطعناه على أنفسنا ونتابع العمل لتحقيق رسالة سعاده العظيم حتى يتحقق للأمة السورية العز والمجد والفلاح».

ثم وقف ناظر إذاعة منفذية صافيتا الرفيق حسن ابراهيم فتحدث عن الصعوبات والعراقيل التي سحقتها الحركة في سيرها الظافر. بعده تكلم كلّ من عميد الداخلية، منفذ عام حمص، والرفيق المحامي عيسى سلامة.

ثم ألقت الأمينة الأولى كلمة جاء فيها: «أرى في وجوهكم إيمانكم الشديد بالعقيدة، وأتحسّس نفسيتكم السورية العظيمة، وأشعر بما في قلوبكم الطيبة من إخلاص ومحبة وإيمان عميق. ومهما كثر عددكم أو قلّ فأنتم وحدكم تمثلون إرادة هذه الأمة وحقيقتها، أنتم تمثلون جنودها، جنود الزوبعة، أنتم شرف الأمة ومصيرها».

بعد ذلك شهدت الأمينة الأولى على انتماء 15 فتاة اغتنمن هذه المناسبة ليلتحقن بالصفوف القومية الاجتماعية.

عند الساعة الثانية عشرة استعرضت الأمينة الأولى الصفوف مودّعة هذه القرية القومية الاجتماعية، وقد استأذن منها الرفيق الشيخ ابرهيم عبد الرحيم لمرافقة الموكب إلى منفذية حزور.

وصل موكب الأمينة الأولى إلى قرية بدادا(6) لتجد أهل القرية رجالاً ونساءً وأطفالاً مصطفين على الطريق العام ينتظرون وصولها، فما ان ترجلت لتستعرض صفوف القوميين حتى دوّت الهتافات بحياة سورية وسعاده.

بعد كلمة مناسبة واستراحة قصيرة، تابع الموكب باتجاه الوادي الأخضر الظليل الذي يحضن عدة قرى تشكل في مجموعها منفذية حزور.

القوميون الاجتماعيون كانوا ينتظرون وصول الأمينة الأولى بصفوفهم المتراصة النظامية. ترجلّت حضرة الأمينة، فأديت لها التحية وبادلتهم تحية العز والإيمان بالنهضة، ثم تابع الموكب يحفّ به القوميون الاجتماعيون حتى وصل إلى قرية الكفرون حيث وقف أهل القرية في الانتظار، ثم اقتربت إحدى القوميات الاجتماعيات وقدمت للأمينة الأولى باقة من زهور الوادي مرحبة بقدومها.

في البرنامج المعدّ، أن تزور الأمينة الأولى قرية «نبع كركر» التي تبعد مسافة ثلاثة كيلو مترات مشياً على الأقدام من قرية الكفرون، ذلك أنّ الطريق تنتهي عندها. إلا أنّ القوميين الاجتماعيين قرّروا أن يشقوا طريقاً للسيارة وسط الصخور والأشواك، وبالفعل فقد سهروا طوال الليل ينسفون الصخور بالديناميت ويقلعون الحجارة والأشواك، حتى تمكنوا من شق الطريق عبر التلال حتى البيت الذي كان أعدّ لنزول الأمينة الأولى، وأطلقوا على الطريق اسم سعاده.

عندما عرفت الأمينة الأولى بما حقق رفقاؤها طوال الليل، قالت: لقد شق سعاده الطريق في نفوسكم فلا عجب ان تشقوا الطريق في الصخور».

مع القوميين الاجتماعيين ووسط الهتافات والأهازيج سار الموكب من «الكفرون» إلى «نبع كركر»، حيث نزلت الأمينة الأولى والوفد المرافق في منزل الرفقاء كوزاك(7) وفيه استقبلت وفود الأهالي والقوميين الاجتماعيين يتدفقون من القرى المجاورة للسلام عليها.

تحدث كل من عميد الداخلية، والرفيق المحامي عيسى سلامة شارحين مبادئ الحزب وتاريخه.

صباح 24 أيلول عادت الأمينة الأولى إلى «الكفرون» وحلّت ضيفة في منـزل الرفيق الدكتور يوسف صايغ حيث توافد الأهالي والقوميون الاجتماعيون للسلام عليها والاستماع إلى توجيهاتها. وبعد أن ألقيت الكلمات الترحيبية وتناولت الأمينة الأولى وصحبها الغذاء، تابع الموكب باتجاه «مشتى الحلو» وقد انضم إليه العديد من القوميين الاجتماعيين الذين توافدوا من القرى المحيطة.

في «المشتى» حلت الأمينة الأولى على الرفقاء نعمة(8) وأمام الحشد من الأهالي والرفقاء ألقى منفذ عام «حمص» كلمة تحدث فيها عن كارثة فلسطين وعن الخطر التركي، وشدد في الأخير على أن طريق الخلاص من الأمراض التي تتخبط بها الأمة هي في الحركة القومية الاجتماعية.

بعد ذلك تكلم كل من عميد الداخلية، والرفيق المحامي عيسى سلامة باسم الأمينة الأولى، إلا أن القوميين الاجتماعيين أبوا إلا أن يسمعوها تتحدث إليهم بالذات فارتجلت كلمة قالت فيها: «لقد مررت بحصون ضخمة عظيمة بناها أبناء أمتنا الأقدمون للذوْد عن حياض وطننا العظيم، وها اني أرى حصوناً جديدة مماثلة بناها سعاده العظيم، وهي أنتم أيها القوميون الاجتماعيون».

في الصباح زارت الأمينة الأولى قرية «عيون الوادي» حيث استقبلها القوميون الاجتماعيون بفرح واعتزاز.

بعد انتهائها من زيارة منفذية «حزور» توجهت الأمينة الأولى والوفد المرافق، في أواخر أيلول إلى «طرطوس»
لتلتقي فيها الأهالي والقوميين الاجتماعيين.

*

عن الزيارة الى مدينة «طرطوس» تروي الأمينة الأولى في الصفحة 139 من مذكراتها، التالي:

«من صافيتا توجهنا الى طرطوس حيث اصطفت الجماهير القومية النظامية أمام الدار التي نزلنا فيها، إضافة الى حشود شعبية جاءت ترحّب بنا. وكان الجو في طرطوس مختلفاً عمّا هو في صافيتا إذ كان بعض زعماء العشائر ورجال السياسة فيها مرتبطين برياض الصلح في لبنان وبعضهم الآخر مع زعماء طرابلس، إضافة الى حساسيتها الدينية (السنية والعلوية). ومع ذلك فقد جاءت وفود من مختلف الأحزاب والمذاهب والعشائر للسلام علينا، ولم نجد بين هذه الفئات ايّ تحامل علينا.

«كنا ضيوف الرفيق عبد الرزاق منصور في بيته الجديد الواسع والمنشرح. وأثناء وجودنا هناك قرّرنا القيام بزيارة رفقائنا في جزيرة أرواد، وكنا نترقب حالة الطقس بين يوم وآخر حتى نحظى بنهار مشمس وبحر هادئ، وأخيراً جاء ذلك النهار الجميل الذي حملنا على أمواج هادئة من شاطئ طرطوس حتى شاطئ أرواد، وكانت المراكب الثلاثة الكبيرة والصغيرة مزدحمة بالرفقاء من سيدات وآنسات ورجال، وقد غطوا سطوح المراكب وجوانبها بحيث لم نعد نشاهد سوى أرجلهم المدلاة فوق المياه. تركنا طرطوس بعد الظهر والشمس ساطعة والبحر هادئ ذو لون ازرق جميل، وكانت المراكب تشق الأمواج وسط هتاف القوميين بحياة سورية وحياة سعادة والأناشيد القومية تدوي في آفاق البحر وكأنها تساهم في شق طريق المراكب التي كانت أعلام الزوبعة ترفرف على صواريها. وكنا كلنا حماسة وشوقاً للقاء رفقائنا في الجزيرة.

«وصلنا ساحل ارواد فإذا بالمدينة كلها، رجالاً ونساءً، على الشاطئ وحظينا باستقبال رائع في شوارعها الصغيرة الضيقة حيث الابواب كلها مشرعة والنساء واقفات أمامها للترحيب بنا. ووصلنا الى بيت أحد الرفقاء، فجاءت الوفود للتهنئة في استقبالٍ استغرق أكثر من ساعة. وقد ألقى الأمين الياس جرجي وعدد من الرفقاء الآخرين كلماتهم من على شرفة البيت الذي يطلّ على أرض واسعة احتشد فيها المواطنون. وغصّت سطوح المنازل بالنساء المتجمهرات مع أولادهن لمتابعة سير حفلة الاستقبال. كما ألقيتُ أنا بكلمة لم أعد أذكر منها الآن سوى قولي إنّ هذه البحار التي كانت في الماضي سبباً للانعزال عن بقية المدن لم تكن بالنسبة لسعاده سوى وسيلة للاتصال بينه وبينكم وليقول لكم: ها هنا أيضاً أبناء أمتي مقيمون في حصونها المنيعة.

في الساعة الثانية بعد الظهر غادرت الأمينة الأولى «طرطوس» متوجهة إلى «بانياس» يرافقها رتل من السيارات. وفي موقع الباص قرب بانياس كان رتل آخر من السيارات يحمل الرفقاء من «بانياس» و»اللاذقية». استعرضت الأمينة الأولى، والأمين الياس جرجي صفوف القوميين الاجتماعيين، ثم استأنف الموكب سيره نحو مدينة «بانياس» حيث كان القوميون الاجتماعيون في صفوف نظامية، تخفق فوق رؤوسهم أعلام الزوبعة وينتظرون

أمام منزل منفذ عام بانياس المحامي الرفيق شكري ديب وصول الأمينة الأولى والوفد المرافق.

بعد استراحة قصيرة ارتجل المنفذ العام كلمة بالمناسبة، ردّ عليه الأمين الياس جرجي فتحدث عن دور الأجنبي في تفسيخ الأمة منذ مئات السنين وفي قتل عزيمتها، إلى أن جاءت مدرسة سعاده فأظهرت للأمة واقعها وللشعب ما يمتاز به من فضائل أصيلة.

من على سطح المنزل وقفت الأمينة الأولى تحيي الأهالي والقوميين الاجتماعيين المنتشرين حول المنزل، وألقى الرفيق المحامي عيسى سلامة كلمة قومية اجتماعية ثم ارتجلت الأمينة الأولى كلمة توجيهية بليغة كانت تقطعها هتافات الرفقاء بحياة سورية وسعاده.

ثم تابعت الأمينة الأولى سيرها نحو مدينة «اللاذقية» حيث كان القوميون الاجتماعيون ينتظرونها في أول المدينة في صفوف طويلة، حتى إذا وصلت واستعرضت صفوفهم النظامية، واكبوها برتل من السيارات ليدخلوا معها اللاذقية مخترقين شوارعها حتى منزل الرفيق فؤاد شواف(9) حيث راحت الأمينة الأولى تستقبل الوفود رغم أنها كانت وصلت ليلاً.

بعد كلمة كلّ من منفذ عام اللاذقية، والرفيقة سعاد الياس، تحدث الرفيق عيسى سلامة باسم الأمينة الأولى مبيّـناً دور المرأة في نهضة الأمة وبنائها الاجتماعي والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها.

وأثناء وجودها في اللاذقية شهدت الأمينة الأولى على انتماء العديد من الرفقاء والرفيقات.

وفي الصفحة 140 من مذكراتها، تروي الأمينة الأولى انها وهي في اللاذقية: «ذات يوم ذهبنا الى «بستان سعاده»(10) ونزلنا في بيت جميل مخلوف(11) وكان فيه حشد من القوميين قضينا واياهم النهار كله».

ثم تضيف: «بعد ذلك قمنا برحلة طويلة الى قلعة «صهيون» (أصبح اسمها اليوم قلعة صلاح الدين) وهي تعود الى زمن الصليبيين وكان لذلك النهار علامة خاصة، فبينما نحن في طريقنا الى القلعة سيراً على الاقدام حيث لا مجال لوصول السيارات، فاجأنا مطر غزير ولم يكن في الطريق مأوى ولا ملجأ والجبال كلها جرداء عارية من الاشجار، ومأوانا الوحيد عندما يشتدّ المطر هو ان نقف ملتصقين بحافة الجبل غير انّ هذا لم يمنع هطول المطر علينا، وكان الماء ينسكب من الرأس حتى أخمص القدم، لكننا واصلنا الرحلة بين ركض ووقوف حسب شدة المطر الى ان وصلنا القلعة، وهناك أضرموا النيران واقتربنا كلنا منها لنجفف ملابسنا وأجسامنا على حرارتها. في هذه الأثناء وضعت المأكولات في وسط القلعة وأكلنا حتى توقف المطر، ثم خرجنا نجول في أنحائها ونستمع الى شرح عن تاريخها وعمارتها.

وتتابع الأمينة الأولى سرد الوقائع عن زيارتها الى مدينة اللاذقية فتقول في الصفحة 141:

«وعندما عدنا في المساء الى اللاذقية كان الطقس جميلاً والحرارة معتدلة. في اليوم التالي ذهبنا برفقة السيد غابي سعادة(12) لزيارة أطلال مدينة أوغاريت الواقعة على شاطىء اللاذقية، ووجدنا صعوبات في الوصول إليها لأنّ قسماً من الطريق المؤدي الى هناك لم يكن معبّداً فلا تستطيع السيارات عبوره خصوصاً بعد هطول ذلك المطر الشديد، وقد ساعد رفقاؤنا بعضهم بعضاً لرفع السيارات التي كانت إطاراتها غارزة في الأوحال. ووصلنا بعد جهد جهيد الى موقع الحفريات التي كانت قد أنجزت حتى ذلك الوقت، وكان السيد غابي سعاده يشرح لنا بالتفصيل كلّ صغيرة وكبيرة لأنه كان مطلعاً على نتائج هذه الحفريات وتاريخ رأس شمرا انطلاقاً من صداقته للدكتور شيفر الذي كان يرافقه أحياناً في أعمال التنقيبات.

في 10 تشرين الأول عادت الأمينة الأولى وكريماتها الثلاث إلى دمشق بعد أن أمضت ما يزيد على الشهر في زيارة فروع الحزب.

وعن إقامتها في قرية «بصيرة»، تروي الأمينة الأولى في مذكراتها:

قضينا في «بصيرة» وهي ضيعة عائلة عرنوق(13) يوماً كاملاً. وكان اللقاء محصوراً بالقوميين فقط وكان برفقتنا عيسى سلامة، وقد علم رفقاؤنا في جزيرة أرواد بأننا موجودون في «بصيرة» فما كان منهم إلا أن حضروا في زوارق عديدة وهم ينشدون الأغاني الحزبية، وعند وصولهم الى حديقة البيت عقدوا حلقات الدبكة والغناء بينما كنا كلنا مجتمعين في الطابق العلوي، فأطليت عليهم وحييتهم من على الدرج وعدت الى القاعة، لكن أحد الرفقاء جاء بعد قليل يدعوني للنزول ومشاركة الرفقاء دبكتهم فقلت له: لا أستطيع أن أرى مشاهد الدبكة والفرح، فقد كنت أراها دوماً مع الزعيم وبات من الصعب عليّ الآن مشاهدة هذه الافراح.

هوامش

ـ عيسى اليازجي: مراجعة النبذة المعمّمة عنه مؤخراً على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

ـ عيسى سلامة: مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع المذكور آنفاً.

ـ “حب نمرة” تحدثنا عنها في كلّ من النبذتين عن “الأمين بديع كاسر أحوش”، وعن “الرفيق متى أسعد”. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

 ـ ابراهيم محمد عبد الرحيم: مراجعة ما كتبت عنه ضمن النبذة عن الرفيق المربي حسن عبد الرحيم على الموقع المذكور آنفاً.

ـ ياسين عبد الرحيم: منح رتبة الامانة وانتخب لعضوية المجلس الاعلى. تولى مسؤولية عميد الداخلية. مراجعة ما كنت كتبت عنه وعن شقيقه الرفيق حسن عبد الرحيم على الموقع المذكور آنفاً.

 ـ بدادا: لا يمكن ان اذكر “بدادا” الا واذكر معها الرفيق الراحل فرج كريشة الذي كان تولى مسؤولية ناموس مديرية غويانيا (البرازيل)، وتميّز بوعيه ومناقبيته وتفانيه الحزبي.

ـ عرفت من رفقاء آل كوزاك: الأمين عبدالله، الذي كان له حضوره الحزبي المتقدّم، في أوساط الجالية في العاصمة البرازيلية، وجوارها. تحدّثت عنه في أكثر من مناسبة. كان يملك فندقاً في برازيليا وشريكاً في شركة “بيبسي كولا”. شقيقه الرفيق المهندس هيكل كان موظفاً مرموقاً في شركة TMA للطيران، عرفت نسيبه المهندس الرفيق فادي، ومن رفقاء آل كوزاك: “غابيوس” الذي كان حمل سعاده على كتفيه، عند توجهه الى “نبع كركر”.

 ـ أبرزهم الأمين نبيه نعمة والرفيق الشهيد محمود. لمراجعة النبذة المعممة، الدخول الى قسم «شهداء الحزب» على الموقع المذكور آنفاً.

ـ فؤاد شواف: المنفذ. الأمين. عضو المجلس الأعلى. وقد أوردت عنه في كثير من النبذات. لمراجعة الموقع المذكور آنفاً.

ـ “بستان سعاده”: مراجعة النبذة عن بلدة “بستان سعاده”، (سابقاً “بستان الباشا”) على الموقع المذكور آنفاً.

ـ جميل مخلوف: أوردت عنه في أكثر من مناسبة، واقتطعت معلومات عديدة من كتاب مذكراته.

ـ غابي سعاده: مراجعة ما ورد عنه في النبذة عن الرفيق عيسى اليازجي، على الموقع المذكور آنفاً.

ـ كان للحزب حضوره الجيد في عائلة عرنوق. منهم الرفقاء الراحلون المؤرّخ والأديب مفيد عرنوق، الضابط والمسؤول في فنزويلا والبحر الكاريبي الأمين معين عرنوق، والمحامي رزق الله عرنوق، الذي كان تولى مسؤوليات حزبية عديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى