أولى

فائز غصن الذي خسرناه

يعرف كل الذين عرفوا النائب الراحل والوزير السابق فائز غصن حجم الخسارة بفقد هذا السياسي الهادئ والعاقل واللاطائفي والمنفتح وصاحب الأخلاق ونظيف الكف والمتمسك بوطنية خالصة ومخلصة في مقاربة كل القضايا والمسؤوليات.

لن ينسى اللبنانيون موقف فائز غصن يوم كان وزيراً للدفاع وخرج محذراً من خطورة ما يجري في الجرود الشرقية من تمدد وتجذر للجماعات الإرهابية وما تمثله من تهديد،  ففي 20 كانون الأول 2011، قال إنه يملك «معلومات عن عمليات تهريب أسلحة ودخول عناصر إرهابية تابعة لتنظيم «القاعدة»، تحت ستار أنهم من المعارضة السورية عبر بعض المعابر غير الشرعية في منطقة البقاع، ولا سيما في بلدة عرسال الحدودية»، معلناً أن «ضبط هذه العمليات ومنعها، هي مسؤولية الجيش والقوى الأمنية بالدرجة الأولى». وأوضح أنه سيطرح هذه القضية على مجلس الوزراء ويعرض المعلومات التي في حوزته لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

تعرض الراحل فائز غصن يومها لحملة بدأها رئيس الجمهورية السابق والقائد السابق للجيش ميشال سليمان بتصريح له في 25 كانون الأول من عام 2011 ينفي نفياً قاطعاً ما قاله وزير الدفاع الذي رد بأنه لا يتحدث عن تكهنات ولا عن تحليلات بل عن معلومات توافرت له بحكم موقعه كوزير للدفاع، وتلاحقت حملات التشهير بحق غصن تحت شعار اتهامات بشيطنة «الثورة السورية»، وتشويه صورة أهالي عرسال، وتسابقت وفود قوى 14 آذار على زيارة المنطقة، وشاركت شخصيات وقيادات من تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في الحديث عن «الحلفاء الثوار» الذين يؤتمنون على أمن لبنان في الجرود وعرسال.

وقف رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية مدافعاً عن غصن ومعه الحلفاء في قوى 8 آذار، وبعد سنوات تعرض لبنان لأوسع حملة تفجير واعتداءات بنتيجة هذا التجاهل لما حذر منه غصن، والمكابرة في مواقف خلفيتها تخديم الحرب على سورية، ولو على حساب الأمن والاستقرار في لبنان، ودفع الجيش اللبناني والشعب اللبناني كلفة عالية لهذا العبث والتآمر.

 لم يخرج أحد ليعتذر من غصن، لصدق مواقفه وصحة مخاوفه وسلامة تقديره، ولولا المقاومة وموقعها في الحرب على الإرهاب لكانت القاعدة وداعش في مدن لبنان كما قال يوماً البطريرك بشارة الراعي في تحيته للجيش والمقاومة وردهما لهذا الخطر، ومن حق روح فائز غصن على الجميع أن يجيبوا على سؤال، ماذا لو استمعوا لتحذيراته وأخذوها على محمل الجد بعيداً عن العبث والنفاق وتخديم الأجندات الخارجية على حساب بلدهم، وماذا لو كان القرار الرئاسي والحكومي والعسكري حراً يومها، كم كانت من دماء تم حقنها وحفظها وأرواح تم إنقاذها، وممتلكات تم تجنيبها الخراب.

نودع فائز غصن ونعتذر منه على الأذى الذي لحق به على أيدي من يتشدقون بالسيادة ومحاربة الإرهاب، ووقفوا يومها يهاجمونه لأنه كان الأصدق في التمسك بالسيادة ومواجهة خطر الإرهاب، رحم الله الراحل وحمى لبنان من النفاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى