مقالات وآراء

ثلاثون عاماً من الانهيار

} علي محمد سعيد

يعيش اللبنانيون منذ سنتين أزمة اقتصادية ومالية ونقدية حادة، فما من لبناني إلا وشعر بها إنْ كان موظفاً حكومياً أو موظفاً في القطاع الخاص أو رب عمل…

السبب الرئيسي الذي أدّى إلى جعل الأزمة تطال جميع اللبنانيين هو انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي بشكل متسارع حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 1500 ليرة الى أكثر من 23000 ليرة ايّ خمسة عشرة ضعفاً في سنيتن.

إذا أردنا أن نلقي نظرة على الاقتصاد اللبناني وعلى ماذا يعتمد نلاحظ انه اقتصاد خدماتي، فقد كان يعتمد على القطاع المصرفي والقطاع السياحي، وكانت أغلب الأموال المحوّلة من العملة الصعبة كانت من خلال المصارف والسياح وأموال المغتربين عبر المصارف.

سياسات الحكومات المتعاقبة

منذ العام 1992 كانت الدولة تعمل على تثبيت سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية على سعر 1500 ليرة، يعني ذلك انّ الدولة كانت تؤمّن الدولار للحفاظ على سعر الصرف.

ولكن من أين طالما انّ الدولة اللبنانية لا تملك ايّ مواد أولية من نفظ وغاز أو معادن أو قطاعات إنتاجية للتصدير؟ لم يكن أمام الحكومات سوى استخدام أموال المصارف والتحويلات من الخارج وأموال المؤتمرات الدولية من «باريس 1» و «باريس 2» و «باريس 3» و»سيدر» الذي لم ينجح، وبالتالي نستنتج أنّ الدولة اللبنانية كانت تعيش الانهيار من ثلاثين سنة، أيّ منذ اتخاذ قرار تثبيت سعر صرف الدولار وإهمال أو تدمير (إنْ صحّ التعبير) كافة القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وسياحة، خصوصاً في السنوات الـ 15 الماضية، بالإضافة الى سوء إدارة الدولة والفساد المستشري في كافة الدوائر.

سرعة الانهيار

يتميّز الاقتصاد المبني على القطاع العام الخدماتي انه سريع الانهيار، وصدى انهياره يكون قوياً ومدوياً وهو ما حصل في لبنان عندما توقف او انهار القطاع المصرفي بسبب توقف خدماته وعجزه عن تأمين ودائع المودعين وانعدام الثقة بهذا القطاع، وبالإضافة إلى انهيار القطاع السياحي الذي تضرّر بكلّ دول العالم نتيجة جائحة كورونا، فإذا نظرنا الى دول العالم نرى انّ الدول التي تتمتع بقطاعات إنتاجية أو تملك مواد أولية لديها القدرة على مقاومة الانهيار أكثر من الدول التي تعتمد على القطاعات الخدماتية… لنأخذ مثلاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تملك مواد أولية وقطاعات إنتاجية، وبالرغم من الحصار المفروض منذ أكثر من أربعين سنة فإنّ اقتصادها قوي ويستطيع ان يقاوم ولا خطر على النظام الإيراني. أما في لبنان فإنّ الانهيار الحاصل هدّد المجتمع اللبناني بأسره، وأثر على جميع القطاعات حتى القطاعات الأساسية مثل القطاع الاستشفائي والطبي والغذائي حتى أصبح اللبناني مهدّداً بطبابته وبلقمة عيشه، ويعيش على المساعدات الغذائية والدوائية من عدة دول.

إذا كان الخطأ الأكبر الذي مارسته الحكومات المتعاقبة دون وجود ايّ محاسبة هو تثبيت سعر صرف العملة بشكل فوضوي ودون دراسات اقتصادية، وأيضاً تدمير القطاعات الإنتاجية والفساد، بالإضافة الى أنّ المواطن اللبناني كان يعيش رفاهية كبيرة وكان اللبنانيون يتنافسون بالرفاهية من حيث السيارات والهواتف والعاملات في المنازل، بالاضافة الى السياحة الخارجية، حيث كانّ أغلب اللبنانيين يسافرون سنوياً للسياحة في كافة أنحاء العالم وبالأخص تركيا ومصر وإيران والعراق.

والرفاهية التي كنا نعيشها كانت دليلاً على أنّ أموال اللبنانيين والعملة الصعبة التي كانت موجودة تمّت إعادة صرفها في الخارج من خلال تحويلات لزوم السيارات والهواتف والسياحة والعاملات في المنازل.

هل الحلول ممكنة؟

بالتأكيد انّ انهياراً وسوء إدارة على مدى ثلاثين عاماً لا يمكن حلّ التداعيات بسنة أو سنتين، ولغاية الآن لم نلحظ ايّ خطة فعلية للخروج من الأزمة، إنما معالجات بسيطة وهي أشبه بشخص يحتضر أو يعاني من مرض عضال ويكتفي بإعطائه دواء مسكناً لا فائدة علاجية منه.

مما سبق وبعد تحديد المشكلة علينا ان نبني اقتصاداً جديداً وبعقلية جديدة بعيدة عن العقلية التي كانت سائدة، وعليه يتعيّن التركيز على عدة نقاط:

ـ ان نبني اقتصاداً إنتاجياً صناعياً وزراعياً، بالإضافة الى الاقتصاد الخدماتي.

ـ على اللبنانيين ان يغيّروا من سلوكهم الاستهلاكي المفرط والكثير منه رفاهية الى سلوك إنتاجي والاستهلاك الضروري.

ـ التركيز على بناء قطاعات الدولة الحكومية من تعليم واستشفاء ونقل… لأنها تطال شريحة كبيرة من اللبنانيين.

ـ دراسة للرواتب والأجور التي يجب ان يحصل عليها موظفو القطاع العام، حيث انه سابقاً كان دخل موظف الدولة في لبنان (الدولة المفلسة) من الأعلى عالمياً مقارنة بدول تتمتع بوجود اقتصادات كبيرة وموارد طبيعية، حتى انّ رفاهية ومستوى معيشة موظفي القطاع العام في لبنان من الافضل عالمياً.

انّ بناء اقتصاد جيد ومنتج يتمّ عبر عشرات السنوات ولا يوجد حلول سحرية او سريعة، وعلينا البدء بأسرع ما يمكن وانْ لم نقم ببناء اقتصاد منتج وتغيير سلوكنا من استهلاكي ومرفّه الى إنتاجي، فإنّ أزمتنا طويلة وكبيرة جداً وذاهبون نحو أيام جداً صعبة حيث لا استشفاء ولا تعليم ولا اقتصاد وبالتأكيد اثر ذلك على الحياة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى