أولى

المواجهة الشعبية لعملية «التطبيع» مع الكيان الصهيوني.. هي الحل..

 د. جمال زهران*

في مقالات عديدة سابقة، تناولت قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، باعتبارها القضية التي تمثل ضرراً كبيراً للقضية الفلسطينية بالقطع، وتمثل خللاً في موازين القوى بين الطرفين (العربي انْ كان لا يزال قائماً)، و(الصهيوني الذي يوسّع دائرة نفوذه الإقليمي)، لصالح الطرف الأخير. كما أنّ هذا «التطبيع» يمثل قمة العار والخيانة لكل من يقوم به. هكذا ثبت ذلك في وجدان الشعب العربي في أي قطر ينتسب شكلاً للعروبة، وعضواً في جامعة الدول العربية!!

فالثابت الآن أنّ إقدام دول عربية جديدة،ـ على «التطبيع» مع الكيان الصهيوني، بخلاف بعض دول المجابهة مثل مصر والأردن، وتتمثل في الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بشكل رسمي، بينما السعودية وقطر وعُمان في الخلفية حيث تقوم بالتطبيع وتتمثل في اللقاءات الدبلوماسية والزيارات المتبادلة بين كل منها والكيان الصهيوني، بشكل غير رسمي! فإنّ هذا لا يخرج عن الهدف الأول لهذه الأنظمة «الإرثية» أو «الوراثية»، وهو الحفاظ على نظم الحكم والأسر الحاكمة، وحمايتها من السقوط، وذلك بيد أميركا مباشرة، والوسيط هو الكيان الصهيوني حسب تقديرات هذه الأنظمة الإرثية!

لذلك فهذه الأنظمة سعت للتطبيع مع الكيان الصهيوني، باعتباره، يمثل عقل وقلب الإدارة الأميركية، ويتحكم عبر وسائط كبيرة وعديدة في عملية صنع القرار الأميركي، لتستمر، وفي المقابل الجمع بين مجاملة الكيان الصهيوني بالتطبيع معه، وبمجاملة الولايات المتحدة وهي الراعية لهذا الكيان، بدفع «الاتاوات» المطلوبة مقابل حماية كراسي عروش الحكم في هذه الدويلات الخليجية وغيرها. وفي هذا الصدد علينا دائماً أن نتذكر قول الرئيس الأميركي المتغطرس (ترامب)، أثناء وجوده في الحكم: «السعودية مثلاً لا تمتلك إلا المال، ونحن نطلب مقابل حماية الأسرة الحاكمة، وعليها الدفع، أو التخلي عنها لتسقط، إذا ما رفعنا الحماية عنها، وذلك خلال أسبوع! وحصل ترامب على (500) مليار دولار من محمد بن سلمان (ولي عهد السعودية)، مقابل حماية إدارة ترامب للعرش السعودي، ومقابل الصمت بعد ذلك على جريمة بن سلمان، في قتل المعارض السعودي (جمال خاشقجي)، ونشر جسمانه بالمنشار، بصورة تستعيد التاريخ العبودي، الذي ربما يكون أفضل مما تمّ بعد سيطرة محمد بن سلمان على الحكم، وتوسع نفوذه!! إنها صورة تمثل بشاعة وفجور نظام محمد بن سلمان (ولي العهد)، ووالده المغيّب الذي تجاوز سنه الـ (85) عاماً!

وكذلك الصمت الأميركي على ما يحدث من العدوان السعودي على اليمن، والجرائم التي يرتكبها نظام محمد بن سلمان، بشكل فاجر!

إذن نحن أمام مشهد سيّئ للغاية، ما لم تتدخل الشعوب في هذا المشهد، فإنّ الوضع مرشح للتصاعد، رغم كلّ المتغيّرات التي يشهدها الإقليم في ظلّ نظام دولي في صورته وهيكله الجديد.

فلو لاحظنا، أنّ الدول العربية التي فيها هامش حرية ولو محدود، تلاحظ الحضور الشعبي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

ومن ذلك دولة المغرب، حيث شهدت الغالبية العظمى من المدن، تحركات شعبية رافضة للتطبيع، بل أعلنت القيادات الرافضة، عن مقاومتها للتطبيع، وتطالب بوقف كافة الإجراءات التطبيعية مع الكيان الصهيوني، ورفض الاتفاقية العسكرية، والاقتصادية التي عقدتها الحكومة برعاية وتوجيهات الملك المغربي نفسه.

وتلاحظ أيضاً الرفض الشعبي في السودان، في خضم التحركات الشعبية المنادية بالحكم المدني وإنهاء الحكم العسكري!!

كما تلاحظ أيضاً رفضاً شعبياً في دولة الأردن، بقيادات التيارات الإسلامية أساساً، لعملية التطبيع، ورفض اتفاقية التعاون بين الحكومة الأردنية ودولة الكيان الصهيوني، حول المياه والتعاون الاقتصادي!!

كما تلاحظ الرفض الشعبي في البحرين، لإجراءات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بشكل قوي للغاية، ويأتي هذا الرفض من جمعية الوفاق، ولها من التأثير في البحرين بشكل واضح!!

كما أنّ الرفض الشعبي للتطبيع قد ترسخ بوقف أية إجراءات شعبية على أي مستوى، للتطبيع المصري مع الكيان الصهيوني، رغم مرور أكثر من (44) سنة على بدء التطبيع الرسمي بزيارة السادات للقدس في نوفمبر 1977. إلا أنّ الشعب المصري رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني طوال هذه الفترة، ولم تفلح الجهود الرسمية والحكومية وفي أعلى مستوياتها، للضغط على الشعب المصري بقبول عملية التطبيع. ومن ثم أكتفى بالتطبيع الرسمي والحكومي فقط بين السلطة المصرية الحاكمة وبين الكيان الصهيوني.

وعلينا أن نتذكر الرفض الشعبي في العراق، للمؤتمر الذي انعقد في الشمال تحت سيطرة الأكراد، حيث كان يتمّ التخطيط للتطبيع الكردي ـ باسم العراق ـ مع الكيان الصهيوني، ولكنه فشل تماماً!!

وبطبيعة الحال لا يجب نسيان أنّ الكويت ممثلة في البرلمان المنتخب، الذي أكد على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل أكد على القانون الصادر في منتصف الستينيات من القرن العشرين، برفع العقوبات إلى السجن المشدّد ولمدة (15) سنة، لأيّ مواطن كويتي يقوم بالتعامل مع الكيان الصهيوني، وأيّ فرد ينتمي لهذا الكيان!! كما نتذكر الرفض الشعبي في دولة موريتانيا، لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، حتى تمّ إسقاط هذه الاتفاقية وإلغاء هذه العلاقات والتطبيع كلية مع هذا الكيان الاستعماري.

وفي ظلّ انعدام هامش الحرية في دول الخليج وهي الإمارات وقطر وعُمان والسعودية والبحرين، التي طبّعت مع «إسرائيل»، فإنّ الرفض الشعبي لم يتمّ الإفصاح عنه حتى الآن!!

وختاماً، فإنه في تقديري أنّ الحلّ في مواجهة التطبيع، لإجبار الأنظمة على التراجع عن ذلك، هو الحراك الشعبي الواسع برفض أية إجراءات للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإلغاء ما تمّ تحت الضغط الشعبي الواسع. وأرى أنّ الحلّ القاطع هو الحضور الشعبي الجماعي من المحيط إلى الخليج، في المشهد حتى إسقاط جميع اتفاقيات التطبيع. وكفى انبطاحاً، وكفى استسلاماً، وكفى تغييب المصالح القومية لحساب حماية كراسي الملوك والرؤساء وهي مصالح خاصة، ولعلّ الأيام المقبلة تشهد انتصاراً للشعوب على الطغاة في المنطقة العربية، وهو السبيل لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وهو أمر قريب بإذن الله…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى