نقاط على الحروف

لا تتسرّعوا في الحديث عن اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة

 ناصر قنديل

– شكل إعلان رئيس الجمهورية عن الدعوة لحوار وطني واضعاً بند اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة بصفته أول بنوده، وتكرار الدعوة لهذه اللامركزية من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، سبباً للبحث عن أصول هذه الدعوة التي تختلف عن سواها من دعوات إعادة النظر باتفاق الطائف، بكونها تنطلق من كونها بعض ما ورد في الاتفاق، للتدقيق في سياق وشروط بقائها تحت سقف الطائف، بصفته وثيقة الوفاق الوطني التي تأسس عليها الدستور الجديد الذي لا يزال مرجع اللبنانيين المشترك الوحيد لتنظيم شؤون دولتهم.

– قارب اتفاق الطائف دعوات نواب الجبهة اللبنانية وفي طليعتهم رئيس حزب الكتائب آنذاك النائب الراحل جورج سعادة، بثلاثة ضوابط وردت في الاتفاق، أوّلها وأهمّها هو تأكيد الاتفاق في المبادئ العامة، على رفض كلّ شكل من أشكال التقسيم، حيث قالت الفقرة “ط” من هذه المبادئ ما نصه “أرض لبنان واحدة لكلّ اللبنانیین. فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظلّ سیادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسیم لا توطین”.

– وضعت وثيقة الوفاق الوطني تسلسلاً للبرنامج الإصلاحي الذي تمّ إقراره، فتناولت تنظيم الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية، وقانون الانتخابات النيابية، في البند الثاني تحت عنوان الإصلاحات السياسية، في فقرات «أ وب وج ود و ه و و» وانتقلت منها تحت ذات العنوان وفي الفقرة «ز» الى بند هو إلغاء الطائفية السياسية، حيث نصت الفقرة على وجوب تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وبالمناسبة في الطائف لم يرد بند إلغاء الطائفية دون ذكر السياسية في أيّ فقرة، كما يفترض البعض، ليربط إلغاء الطائفية بالعلمنة، التي تبقى هدفاً منشوداً لكلّ من يريدون دولة مؤسسات كاملة المواصفات، لكنهم لا يديرون ظهرهم لفرصة البدء بإلغاء الطائفية السياسية، ولا يضعون العلمنة شرطاً تعجيزياً تحت شعار علمنة كاملة او طائفية كاملة لتكون الحصيلة حكماً هي بقاء الطائفية وتجذيرها، كما تقول التجربة.

في فقرة إلغاء الطائفية السياسية دعت الوثيقة لمرحلة انتقالية تسبق الإلغاء تتضمّن كما نصت:

– “أ ـ إلغاء قاعدة التمثیل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامـة والقضـاء والمؤسسـات العسـكریة والأمنیة والمؤسسات العامة والمختلطة والمصـالح المسـتقلة وفقـاً لمقتضـیات الوفـاق الـوطني باسـتثناء وظـائف الفئـة الأولـى فیها وفي ما یعـادل الفئـة الأولـى وتكـون هـذه الوظـائف مناصـفة بـین المسـیحیین والمسـلمین دون تخصـیص أیـة وظیفـة لأیـة طائفة. ب ـ إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهویة”.

– جاء البند ثالثاً الذي يلي الإصلاحيات السياسية تحت عنوان “الإصلاحات الأخرى” وبدأ بالفقرة “أ” باللامركزية الإدارية، وتلاها بفقرات “ب و ج و د و ه و و “، منها فقرة عن المحاكم تلت فقرة اللامركزية واول سطر فيها هو عن إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي يبدو واضحاً أنه أحد عناصر الوفاق الوطني التي يُفترض التمسك بها من قبل كلّ من يبني خطابه تحت عنوان تطبيق وثيقة الوفاق الوطني بصورة غير إنتقائية.

– في فقرة اللامركزية الإدارية ورد النص حرفيا : «أـ اللامركزیة الإداریة 1 ـ الدولة اللبنانیة دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزیة قویة. 2 ـ توسیع صلاحیات المحافظین والقائمقامین وتمثیـل جمیـع إدارات الدولـة فـي المنـاطق الإداریـة علـى أعلـى مسـتوى ممكن تسهیلاً لخدمة المواطنین وتلبیة لحاجاتهم محلیاً. . 3 إعادة النظر في التقسیم الإداري بما یؤمّن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العیش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات. . 4 اعتمـاد اللامركزیـة الإداریـة الموسـعة علـى مسـتوى الوحـدات الإداریـة الصـغرى (القضـاء ومـا دون) عـن طریـق انتخاب مجلس لكلّ قضاء یرئسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة. 5 ـ اعتماد خطة إنمائیة موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطویر المناطق اللبنانیة وتنمیتها اقتصادیاً واجتماعیاً وتعزیز موارد البلدیات والبلدیات الموحدة والاتحادات البلدیة بالإمكانات المالیة اللازمة”.

– الخلاصة التي لا يجوز تجاهلها في أيّ بحث حول اللامركزية تبدأ من أنها جزء من كلّ هو الإصلاحات التي لم يتمّ تطبيقها من اتفاق الطائف، ولا يمكن انتقاؤها من بين هذه الإصلاحات التي تبدأ بمسار محدّد في وثيقة الوفاق الوطني كما ورد، هو السير نحو إلغاء الطائفية السياسية في قانون الانتخابات النيابية، وقبله إلغاء طائفية الوظيفة ما دون الفئة الأولى وإلغاء تخصيص وظائف الأولى بالطوائف، وثاني هذه الشروط التي لا يمكن تجاوزها، هو الالتزام بالدعوة للامركزية الإدارية دون إضافتي المالية والموسعة غير الواردتين في الوثيقة إطلاقاً، وثالث هذه الشروط هو التمسك بأن تكون دوائر اللامركزية قائمة على قاعدة الاختلاط الطائفي التي ذكرتها الوثيقة بمسمّى الانصهار الوطني والعيش المشترك، ورابع هذه الشروط هو أنّ اللامركزية الإدارية الموسعة واردة فقط عند ذكر الوحدات الصغرى (القضاء وما دون) وهي غير اللامركزية الموسعة التي لم ترد في المحافظات لأنها تتخذ حينها طابعاً سياسياً، ولذلك بقيت تحت سقف نص واضح ب «السلطة المركزية القوية والموحدة» كما ورد في الوثيقة، أما الشق المالي الذي ورد في اللامركزية فهو لصالح المركزية وليس العكس حيث ورد بوضوح في البند الخامس ضمن اللامركزية الإدارية اعتماد خطة إنمائية موحدة وشاملة لكلّ البلاد، ومن ضمنها تعزيز موارد البلديات والإتحادات البلدية عبر السلطة المركزية تعزيزاً لمفهوم الإنماء المتوازن، لا بتجاوزها بمفهوم ربط الجباية بالإنفاق.

– كاد الاجتزاء أن يجعل الإيمان كفراً، باجتزاء «لا إله» من جملة «لا إله إلا الله».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى