أولى

الزيارة المؤامرة… ١٧ أيّار جديد!

 محمد صادق الحسينيّ

 أكثر من مؤشر في الإقليم يشي بأنّ واشنطن لم تتعلم دروس انكساراتها على أكثر من صعيد وأكثر من ساحة في إقليمنا العربي والإسلامي ولا تزال تأمل زعزعة الاستقرار في أقطارنا من خلال إشاعة منظومة الفتن والحروب الداخلية المتنقلة وتستثمر المجموعات الإرهابيّة لهذا الغرض، كما تمنع تعافي أقطارنا وتدفع مكوناتها الاجتماعية إلى التقاتل في ما بينها او تعطل الحياة السياسية العامة فيها.

وآخر مثال حيّ على هذه السياسة دفع الحريري الابن للخروج هو وتياره السياسي بأمر همايوني أميركي ـ سعودي من الانتخابات والحياة السياسية اللبنانية!

 من جانب آخر، وعلى الرغم من مواصلة الولايات المتحدة الأميركية محاولاتها لإجراء اتصالات سريّة، مع بعض أطراف حلف المقاومة، بعيداً عن المفاوضات النووية الجارية في فيينا، إلا انّ واشنطن تواصل أيضاً عداءها لهذا الحلف وتستمرّ في تصعيد العدوان، بشكل غير مسبوق، على بعض أطرافه مثل اليمن، والتآمر وتوجيه التهديدات لأطراف أخرى لهذا الحلف، سواءٌ في إيران او العراق او سورية او فلسطين او لبنان.

لذلك لا بدّ من الربط، بين حلقات المؤامرة الأميركية الصهيونية السعودية الخليجية، ليس فقط ضدّ حلف المقاومة وانما ضد الأمتين العربية والإسلامية. فما قيام الولايات المتحدة الأميركية بإصدار الأوامر الى آل سعود وآل نهيان…

1 ـ بتصعيد القصف الجوي الإجرامي الوحشي على الشعب اليمني الأعزل المسالم، في محاولة لكسر معنويات هذا الشعب وثنيه عن الصمود ومواصلة معركة تحرير اليمن، من الاحتلال السعودي الإماراتي «الإسرائيلي» (جزيرة ميون وجزيرة سوقطرى).

2 ـ ومسرحية هجوم عناصر من فلول داعش على سجن تديره الوحدات العسكرية الكردية، العميلة لواشنطن وتل أبيب، وتهريب مئات من عناصر داعش، بغطاء جويّ أميركي، وبغضّ النظر عما يجري في محيط منطقة السجن من تبادل (مسرحيّ) لإطلاق النار.

3 ـ وقيام القوات الأميركية، المنتشرة في منطقة الحسكة السورية المحتلة، حيث يوجد السجن، او بالأحرى معسكر الاحتياط لعناصر داعش، نقول قيام القوات الأميركية المنتشرة هناك بإخلاء «الهاربين» من السجن ونقلهم جواً، بواسطة مروحيّات الجيش الأميركي، الى قضاء سنجار وقضاء البعاج في العراق، تمهيداً لقيامهم بسلسلة هجمات إجرامية، ضد المدنيين وضد القوات المسلحة العراقية، في قاطع سنجار / تلعفر، وقاطع البعاج / الشرقاط.

4 ـ أو إصدار الأوامر، لوزير خارجية الكويت، من واشنطن وتل أبيب، بعد التحشيد المتواصل، ضدّ حلف المقاومة بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص، بحمل قنبلة تفجير لبنان من الداخل وليس مبادرة «لحلّ الخلافات» مع لبنان، كما زعموا.

وبعيداً عن التنميقات الدبلوماسية والأغلفة المزيفة، التي يتمّ من خلالها توصيف أهداف زيارة هذا الوزير الى لبنان، وبالعودة الى ما صرّح به هو نفسه، في مؤتمر صحافي في العاصمة اللبنانية، بيروت، عندما قال إنه يحمل «مبادرة لحلّ الخلافات مع لبنان» بتكليف من دول الخليج مجتمعة ومن الجامعة العربية والولايات المتحدة وفرنسا، نقول إنه بعيداً عن ذلك فإنّ أهداف الزيارة مختلفةً تماماً عما هو معلن. والتي يمكن تلخيص أهمّها في النقاط التالية:

أولاً: الضغط على الحكومة اللبنانية لإعادة فتح موضوع سلاح حزب الله، وذلك من خلال العودة الى قرار مجلس الامن رقم ١٥٥٩، الصادر بتاريخ ٢/٨/٢٠٠٤، والذي يدعو في فقرته الثالثة، الى تفكيك جميع الميليشيات، اللبنانية وغير اللبنانية وتجريدها من السلاح.

وهذا هو الطلب الأول، الذي تقدّم به هذا الوزير الكويتي، الى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب في لبنان.

وهنا يجب التذكير بأنّ مجزرة الطيونة، والتفجير الذي نفذه عملاء الموساد في مخيم البرج الشمالي قبل أسابيع، ما هي إلا حلقات في التحضير للوصول، عبر الازمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان، الى إعادة طرح هذا الموضوع بقوة.

ثانياً: ولعلّ من الضروري، في هذا المقام، التذكير بالردّ اللبناني الرسمي، على قرار مجلس الأمن رقم ١٥٥٩، والذي نشر في حينه على الصفحة الرسمية للجيش اللبناني، وجاء في فقرته الثانية (باللغة الانجليزية) انّ المقاومة (في لبنان) ليست ميليشيا وهي قوة تدافع عن لبنان وحرّرت أجزاءً كبيرة من أرضه، وانّ الحفاظ عليها هو مصلحة استراتيجية لبنانية.

وتابعت رسالة الردّ اللبنانية قائلةً: اما بالنسبة للفلسطينيين في لبنان فهم يعيشون في مخيمات تديرها الأونروا، ويطوّقها الجيش اللبناني ولا يسمح بنقل الأسلحة الى خارجها، وهم يطالبون بحق العودة الى وطنهم، حسب قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤.

 ثالثاً: أما الطلب الثاني، الذي قدّمه هذا الوزير، للجهات اللبنانية المعنية، فقد كان أقرب الى التهديد منه الى الطلب. اذ انه أبلغ المعنيين بانّ استخراج النفط والغاز اللبناني، من المياه الإقليمية اللبنانية، مرتبط بتنفيذ طلب «معالجة» موضوع سلاح حزب الله.

رابعاً: إنّ الموافقة على إعادة إعمار ميناء بيروت مرتبطة بشرط «معالجة» موضوع سلاح حزب الله، بالإضافة الى شرط تلزيم الميناء لشركة «دولية» يتمّ إنشاؤها لهذا الغرض.

وهذا يعني انّ عمليات إعادة الإعمار، ومن ثم إدارة الميناء سوف تسلم لشركة ستضمّ، الى جانب الشركات الأميركية والفرنسية، شركة موانئ دبي وشركة ZIM «الإسرائيلية» للنقل البحري، ومقرها حيفا والتي تأسست سنة ١٩٤٥.

خامساً: لكن ما يغيب عن بال هذا الوزير هو انّ سلاح حزب الله ليس سلعة للتبادل التجاري او لعقد الصفقات، بل إنّ هذا السلاح، هو جزء من السلاح الاستراتيجي لحلف المقاومة برمّته، كما انّ هذا السلاح قد انتصر على الجيش «الإسرائيلي» مرتين في لبنان، ويردع هذا الجيش عن الاعتداء على لبنان، وهو بالتالي ذخر استراتيجي لبناني. وهو ما ورد في الردّ الذي أشرنا اليه أعلاه.

من هنا فإن لا أحد في لبنان يستطيع، او لديه الاستعداد، للتحدث في هذا الموضوع، بعد أن عجزت واشنطن وتل ابيب عن تحقيق هذه الأهداف. بالإضافة الى انّ سلاح حزب الله لم يعد شأناً لبنانياً خالصاً وإنما هو شأن اقليمي ودولي، بعد أن أصبح حزب الله قوة اقليمية فاعلةً، على كلّ الاصعدة. وخاصةً على صعيد الوقوف في وجه مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين (والسوريين ايضاً) في لبنان، وتهديد وجود الدولة اللبنانية، من خلال إنهاء خصوصيتها وإخضاعها للهيمنة الصهيو ـ أميركية الكاملة.

سادساً: ولكل هذه الأسباب نقول لهذا الوزير إنّ بضاعته المعروضة على لبنان فاسدةً ولن تجد من يشتريها، وان ظروف اتفاقية ١٧ أيار اللبنانية الاسرائيلية قد ولّت الى غير رجعة.

ولبنان «الإسرائيلي» في العام ١٩٨٣ لن يعود إلا اذا تحقق حلم ابليس في الجنة!

ولبنان ٢٠٢٢ قوة عظمى لن يتنازل عنه أهله الشرفاء بالتأكيد.

بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى