أخيرة

حرب مستعارة وأناس بلا وجوه…

} سامر برهان زريق*

في يوم صيفي حار من شهر تموز لعام ألفين وسبعة عشر، بدأت مجموعة من الخواطر تتوارد إلى ذهن شاب سوري غيور، خاطرة تلو الأخرى، ويوماً بعد يوم والخواطر تتراكم، وقفات مع الذات أحسّ بمسؤوليته تجاه وطنه، بل أمام التاريخ الذي لن ترحم صفحاته مَن تخاذل وقصّر، كانت أحلام الارتقاء بالواقع المرير إلى مستقبل مشرق تداعب مخيلته، فبدأت الكلمات والأفكار والرؤى تنسال من قلمه، وكان هذا النتاج للكاتب المحامي الأستاذ سامر عوض.

«حرب مستعارة وأناس بلا وجوه» كتاب يقع في مئة وسبعين صفحة، وإحدى وعشرين لوحة، تطرق فيها الكاتب إلى ثلة من المفاهيم والمبادئ التي شاع الحديث عنها في مراحل الأزمة في سورية، فالإصلاح مثلاً يبدأ من الأسفل إلى الأعلى، ومع الأعلى المتجاوب والمواكب لمطالب الأسفل، والاعتدال السياسي هل هو تهرّب أم وطنية، وبما أنه تحدث عن السياسة فكان لا بدّ من الحديث عن الصمت السياسي، فالانكفاء شرٌّ يكاد يكون مطلقاً، أمَّا الصَّمت عموماً ومنه السياسي خصوصاً، فليس امتناعاً عن فعل، بل حكمة قائمة بحدِّ ذاتها، لكن أهل هذه المنطقة اعتبروا دوماً أنّ الكلام قوة والصمت ضعفاً.

وعندما نمارس السياسة بشكل أو آخر نقع في فخ التعصّب السياسي، يتلخص الأمر في الميل الداخلي القلبي الأيديولوجي الكياني الذي ينبع من عمق الحياة الإنسانيّة التي يعيشها المرء حائراً عاجزاً عن الوصول إلى صلب الحقيقة، ولا يلجأ الناس إلى التعصب للأسباب ذاتها طواعية أو مكرهين، ويجعلونه وسيلة أو غاية، وإذا أصبح غاية فيكون هدفاً يُسعى لتحقيقه، إنها بداية النهاية التي تجعله ذنباً لممارسة كلّ الذنوب والرذائل التي استغلّها الغرب وجعلها أداة يدمّروننا بها.

لقد صدق من قال إنّ بلادنا العربية أصبحت ميداناً لحروب يشعر بالأسف كلّ من لا يكون لاعباً فيها، لقد استعار الكبار في العالم أراضينا واستباحوها تصفية لحساباتهم وليمارسوا من خلال أدواتهم البشرية هواياتهم في الهيمنة على الشعوب واللعب بمقدراتها.

وينتقل الأستاذ عوض في موضع آخر من الكتاب إلى دور الإعلام في الشرق والغرب، إنه أهمّ السلطات التي تؤثر على الشعوب، لقد كان الإعلام بداية مجرد وسيلة إيصال المعلومات والأخبار، لكنه أصبح غاية تستهدف، تسعى الدول الكبيرة لامتلاكه والسيطرة عليه.

ففي الشرق لا يسعى الإعلام لتحقيق مصالح الشعب بل لتحقيق الأجندة التي رهن نفسه إليها، عند العرب هو ناطق بالعربية لكنه ليس عربياً، أما في الغرب فهو يسعى لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلاد التي يمثلها ويوزع الأدوار لذلك، بين فرعيه الرسمي والخاص، إنّ المؤسسات الإعلامية اليوم باتت معامل لصنع القرار، يكتب فيه الإعلامي نصه بالحبر وبالدم أحياناً، فكم من إعلاميين استشهدوا، وكم من إعلاميين باعوا أنفسهم وقضاياهم وكم من إعلاميين خلدهم التاريخ على صفحات من نور.

وينتقل بنا السامر إلى الإباء الوطني السوري، وطن حوى بين أضلاعه شعباً أبيّاً أبى الذلّ، شعباً أبى الاستسلام والاستزلام إلا لخالقه، لقد خطّ لنا تاريخ سورية بأحرف من نور سير العشرات من أبنائه البررة الذين قدّموا أرواحهم في ساحات الوغى.

لقد سكت الغرب وغضَّ الطرف عن اختطاف مطراني حلب لتظهر للعلن قضية تهجير مسيحيّي الشرق لحمايتهم، إنّ الخطاب المسيحي المشرقي العام يدعم بقاءهم، لكنه لا يستطيع أن يقاوم سياسات دول، وسط صمت دوليّ مؤيد له، لكن ومع الزمن وأمام الواقع ثبت أنّ الغرب لا يعتدّ بمسيحيّي المنطقة، وما حصل لهم على أيدي الفرنجة زمن الحروب الصليبية ليس الدليل الوحيد على ذلك، لذلك يخشى أن يكون في بلدنا مستقبلاً مسيحية شرقية لا مسيحيين شرقيين.

أخيراً أريد أن أسجل كلمة تقدير لهذا الشاب الذي قلَّ نظيره هذه الأيام بين أبناء جيله، لقد حمل الأستاذ سامر بين أضلاعه همّ الوطن حاضره ومستقبله، وتصدّى من خلال صفحات هذا الكتاب إلى مواضيع حساسة ومفصلية، لقد تحدّث في ما تحدث عن الأخلاق السياسية والجماعة السياسية وعن الحرية السياسية وهل المواطنة معيار أم ميزة، إلى غيرها من المواضيع بجرأة يُحترم عليها، جرأة من لا يريد أن يختبئ وراء إصبعه، جرأة من يريد أن لا تبقى المياه ساكنة فألقى فيها حجراً يحرك ثباتها، داعياً إلى تجاوز الواقع الأليم بالعودة إلى نبض الحياة والنهوض من جديد إلى حياة كريمة أهل لها هذا الوطن وأهله، وأن لا نكون مرة أخرى ساحة لحروب مستعارة، يديرها أناس بلا وجوه بلا رحمة أو أخلاق أو إنسانيّة.

*مهندس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى