أولى

الهدف النهائيّ للتدخل الروسيّ في أوكرانيا…

 د. جمال زهران*

مع دخول الأزمة الأوكرانية، بعد تدخّل القوات الروسية في أراضي أوكرانيا يوم 24 فبراير/ شباط 2022، الاقتراب من شهر كامل، دون السقوط النهائيّ للعاصمة «كييف»، رغم حصارها وسقوط أغلبها من كافة الاتجاهات، يتساءل البعض عن الهدف النهائيّ لهذا التدخل الروسي، وآفاق الحلّ أو عدم الحلّ؟

فما تمّ حتى الآن هو سيطرة القوات الروسية على أغلب أراضي أوكرانيا، ولم يتبقّ سوى السيطرة الكاملة على العاصمة (كييف). وفي المقابل على الطرف الآخر، فإنّ حرباً اقتصادية يفرضها الغرب، تقوم على العقوبات الشاملة وغير المسبوقة، والتي تجاوزت جميع العقوبات التي سبق فرضها على إيران، وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا، وغيرها، فضلاً عن حرب دبلوماسية وإعلامية غير مسبوقة، أفصحت عن انعدام فكرة موضوعية الإعلام في الغرب كما يزعمون! ومن ثم نحن في حالة حرب عالمية بصيغة جديدة ليست كالحرب العالمية التقليدية في القرن العشرين (الحرب الأولى، والحرب الثانية)، وفي هذا تفصيل وتأصيل آتٍ بإذن الله.

إذن، نتساءل مع مَن يطرحون الأسئلة، ما هو الهدف النهائي للتدخل الروسي في أوكرانيا؟ وأكاد أجزم في إجابتي بالتمييز بين الأهداف المعلنة والأهداف الخفيّة لدى روسيا، باعتبارها دولة عظمى، تمتلك القدرة على الاختيار، وليست دولة صغرى، والتي لا تمتلك فرصة في الخيارات!

فالأهداف المعلنة لروسيا من وراء تدخلها في أوكرانيا، هي:

1 ـ التسليم بكافة المطالب الروسية دون نقصان.

2 ـ تسليم العاصمة وتمكين القوات الروسية دون إراقة الدماء وسط المدنيين، أيّ الاستسلام الكامل للسلطة الحاكمة في أوكرانيا.

3 ـ إعلان الموافقة الأوكرانية على التنازل عن جزيرة القرم لروسيا، وسيادة روسيا عليها.

4 ـ إقرار بالموافقة على استقلال جمهوريتي (دونيتسك/ لوغانسك)، عن دولة أوكرانيا.

5 ـ الإقرار بعدم الانضمام نهائياً حاضراً ومستقبلاً إلى حلف الأطلنطي، بل وإلى الاتحاد الأوروبي.

6 ـ تفكيك الجيش والقدرات العسكرية في أوكرانيا، تسليماً بالهزيمة الكاملة لأوكرانيا، مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية حيث أصبحت الدول المنهزمة وهي دول المحور (ألمانيا واليابان وإيطاليا)، بلا جيوش، وهي تحت الدفاع الأميركي والأوروبي التي انتصرت في الحرب الثانية والتي تُعرَف بدول الحلفاء. وفي هذا المطلب إقرار بالهزيمة الكاملة لأوكرانيا في مواجهة روسيا.

7 ـ عدم السماح لنصب أيّة منصات لأسلحة نووية غربية في أراض أوكرانيا، في الوقت ذاته تظلّ جميع المنشآت النووية خاصة في تشيرنوبيل، وغيرها، تحت السيطرة الروسية الكاملة.

تلك هي المطالب السبعة الرئيسية التي تمّ استخلاصها من أحاديث بوتين ووزير خارجيته ودفاعه والمسؤولين في دولة روسيا العظمى.

ومن ثم فإنّ روسيا تطيل الأزمة زمنياً، إلى أن يتمّ تحقيق هذه الأهداف المعلنة، وفي تقديري أنها أهداف تكتيكية، وصولاً إلى الأهداف الاستراتيجية. ولذلك فإنّ روسيا تسير في اتجاهَي التفاوض بفرض «الإرادة الإكراهيّة» على أوكرانيا دون تدخل أيّ طرف غربي، ولا حتى الأمم المتحدة، وكذا استمرار الحرب دون توقف باستثناء فتح الممرات لدواع إنسانية، حتى وصل عدد المنشآت العسكرية المدمّرة إلى ما يتجاوز الـ 4 آلاف موقع عسكري!

وما لا يمكن تحقيقه بالتفاوض، فإنّ القوة هي التي ستحسم الأمر، ومن يقامر على هزيمة روسيا مع إطالة الحرب، وممارسة العقوبات، واهم، لأنه ينطلق من أنّ دولة روسيا العظمى، هي دولة صغيرة، وليست دولة عظمى، تخطط لكلّ شيء.

أما الأهداف الخفية «الاستراتيجية»، التي ترنو روسيا/ بوتين، إلى تحقيقها، ويتمّ استخلاصها من بين سطور الخطاب السياسي لروسيا سواء أكان رسمياً أم غير رسمي، فهي:

1 ـ إلغاء ضمّ دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى حلف الأطلنطي، وبصفة خاصة بولندا، ودول البلطيق الثلاث (استونيا/ لاتفيا/ ليتوانيا)، تمهيداً للسيطرة عليها وضمّها إلى روسيا في شكل يتمّ الترتيب له، إنْ لم يكن قد تمّ ذلك فعلاً، ويجري إخراجه للوجود. وتمّ استخلاص ذلك من التصريحات الرسمية في روسيا، بأنّ انطلاق أية أسلحة جوية أو برية من هذه الدول، ستعتبر دولاً في حالة حرب مع روسيا.

2 ـ الدعوة إلى إعادة الإمبراطورية السوفياتية بكلّ مكوّناتها السابقة، في شكل اتحاد روسيا العظمى، أو الجمهوريات الروسية المتحدة، على غرار الولايات المتحدة الأميركية! ومن ثم فإنّ من يراهن على انتهاء الأزمة سريعاً، نتيجة العقوبات الشاملة والتهديدات الغربية لروسيا، هو واهم، فالمعركة طويلة جداً، ومرتب لها على الطرفين تماماً!

3 ـ إعادة تقسيم مناطق نفوذ العالم، على غرار ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية، مثلما تمّ التوصل إليه في معاهدة سايكس بيكو. وستكون الأطراف الأربعة هي: روسيا العظمى، والولايات المتحدة مع بريطانيا، والصين، وأوروبا الموحّدة.

تلك هي الأهداف غير المعلنة، والتي تتحرّك صوبها روسيا، وفقاً لتقديرنا، بأنها الهدف النهائي لهذا التدخل الروسي في أوكرانيا.

إنّ من يتابع الخطاب الروسي الرسمي والإعلامي، يكتشف، ما هو خفيّ أكثر مما هو معلن، وهو خطاب لا يهتم بقضية العقوبات، لأن صانع القرار في روسيا، كان ولا يزال، يحتسب لكلّ الاحتمالات. ولنراقب أحداث الغد في ملف الأزمة…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العالميّ لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى