مقالات وآراء

زحمة المرشحين وتكاثر اللوائح لا يؤشران لإحداث الخرق والفرق والتغيير

} علي بدر الدين

كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية، المقرّر في الخامس عشر من شهر أيار المقبل، ارتفع منسوب المواقف والخطابات والشعارات والعناوين الطائفية والمذهبية، وخرجت «الأفاعي السياسية» من جحورها لتمارس عادتها وطبيعتها في اللدغ وبث السموم، في مواجهة الخصوم الحقيقيين والمفترضين وحتى المقرّبين، الذين تجرّأوا وترشحوا تحت شعارات التغيير، أو المرشحين الذين يعتبرون أنفسهم في خانة الموالين، مع أنهم مكوّن أساسي من تركيبة المنظومة السياسية الحاكمة، لأنّ الانتخابات النيابية عموماً وأيّ انتخابات أخرى، إنْ كانت مهمة أو هامشية تكون دائماً على حدّ السكين، لا مسايرة فيها ولا مجاملة، ولا «تطييب خواطر» أحد من أيّ أحد آخر مهما بلغت درجة القرابة والصداقة، لأنّ المصالح وحدها هي التي تجمع أو تفرّق، وليس فيها، «يا أمي ارحميني».

عادة ما تفتقد مثل هذه الانتخابات إلى عناصر المباغتة والمفاجأة والإثارة والتشويق خاصة في لبنان، لأنّ كلّ «مسؤول» أو «متزعّم» أو «ملك» طائفة وأمير مذهب، يغني على مصلحته بصوت عالٍ جداً، لإسماع القاصي والداني، القريب والبعيد، أنه يريد الغلبة على الآخر الخصم، وإقصاءه من طريقه، مهما كلّفه ذلك من أثمان و»تضحيات» ورشاوى و»خدمات» ومال انتخابي، و»زعبرات» و»ضروب» احتيال، وشراء ذمم و»أصوات» ووعود كاذبة، لأنّ المهمّ بالنسبة لهذا الكلّ، أن تُثمر أساليبه الملغّمة وطرقه الملتوية، وخروجه الفاضح عن كلّ نص قانوني أو دستوري، أو قيَمي أو أخلاقي أو وطني، فوزاً كاسحاً وماسحاً للخصوم ومن بعده الطوفان، ولتتدحرج كرة ناره وتحرق الأخضر واليابس وتُغرق البشر، حتى الذين حملوه على أكفّهم وأكتافهم، وهتفوا وصفقوا له، واحتفلوا بفوزه الباهر في الانتخابات، وأكثر من ذلك تخاصموا مع أهلهم وأقرب المقرّبين إليهم، وقطعوا صلة الرحم وحبل الودّ وخط الرجعة، كرمى عيون من أفقرهم وجوّعهم وأذلهم وصادر حقوقهم وسرق أموالهم و»أكل» حق اليتامى والثكالى والأرامل والعجزة، عله يشبع جوفه وتتخم بطنه، ويراكم ثرواته المالية والعقارية، ويوفر للأبناء والأحفاد رفاهية مطلقة، في حين أنّ اقرباءه وجيرانه وأبناء بلدته ومنطقته ووطنه، يتضوّرون جوعاً، وتنتفخ بطونهم من القلّة وانعدام التغذية، ويتألّمون ويموتون من أيّ مرض أصابهم، مهما كان خفيفاً، لأنهم لا يملكون ثمن الدواء ولا فاتورة الاستشفاء.

ليس عبثاً أن تتزاحم الأزمات، ويختلط «الحابل بالنابل» وتتكاثر المواقف وينكشف المستور الفضائحي وتتجهّز الاتهامات، وتفتح ملفات ويقفل غيرها، وتكثر الوعود، وتخرج العصبيات والغرائز من مكبوتها، وتنزع كواتمها الانتخابية، لأنّ اللعبة لزوم «أم المعارك» الانتخابية، أصبحت على المكشوف، و»يا قاتل يا مقتول». لأن لا وجود للرمادية في المواقف، ولا في الخطاب السياسي الطائفي والمذهبي «يا أبيض يا أسود»، ولم يعد مقبولاً من الناخب أن يلتزم الحياد أو «بين بين» وأصبح أمام خيارين لا ثالث لهما، «يا معنا يا ضدنا» ومشروط بتدفيع الناخب المغلوب على أمره الثمن شاء أم أبى، لأنه حكم قراقوش القوي المتسلط والمستبدّ.

 الشعب هو السبب في «فرعنة» سياسييه وبعض حكامه، بصمته وتبعيته وارتهانه الأعمى، وخياره الخاطئ في كل استحقاق انتخابي نيابي، حتى استضعفوه وغافلوه ونهبوه، ثم قضوا على آماله وأحلامه ومواطنيته، وأسقطوه كما تسقط وتتطاير أوراق الشجر في خريف عمرها.

إنّ تزاحم المرشحين على الانتخابات، وتجاوز عدد اللوائح المئة بقليل، والتقاذف بين هؤلاء بالاتهامات بالفضائح، وتحميل المسؤوليات المتبادلة عن الفشل في إدارة شؤون البلاد والعباد، وفي ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية المتفاقمة من سوء وتردّ وانهيار وإفلاس، وتكبير أحجار التراشق، التي لن تصيب سوى المواطن الذي لم يعد له حول ولا قوة ولا إرادة، وكلها مؤشرات سلبية، لا توحي بإمكانية إحداث الخرق والفرق والتغيير لا الآن ولا في الغد، إلا إذا خرج الناخب من هياكل المنظومة السياسية وجلابيبها وتجرأ على فكّ سلاسل قيودها، وتمرّد وانتفض وتجرأ على اتخاذ قرار مبرم، بالتصويت للأصلح والأنظف والأجدر، على قلة هؤلاء، ولكن كما يقول المثل، «إذا خليت خربت».

في المحصّلة، أنّ زحمة الترشيحات وتكاثر اللوائح بهذا العدد غير المسبوق، لا يمكن التعويل عليهما، ولا يمكن الرهان عليهما، في التغيير والإنقاذ، لأنّ الوصول إلى السلطة مهما كانت الطريقة والوسيلة، الغاية منها واحدة وتتمثل باستغلالها، لتحصيل المال والنفوذ والألقاب وتأمين الحصانة والحماية عند كل ارتكاب أو اقتراف أو اتهام، ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا التزاحم الحاصل هو من أجل الوطن ولخدمة الشعب الذي يزداد فقراً وجوعاً، ومن ينتخبهم يزدادون «فخراً ومالاً وهيبة ووقاراً».

على الناخب أن يعي قبل فوات الأوان، وأن لا يبقي حيطه واطياً، حتى لا يقفز عنه «اللي بيسوى واللي ما بيسوى»…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى