أولى

هدفان لانتفاضة الأقصى: تصعيد المقاومة وإحياء مركزيّة قضيّة فلسطين

 د. عصام نعمان*

انتفاضة الأقصى مستمرّة ومتمدّدة. تفجّرت في القدس، لكنها امتدّت لتشمل مجمل فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر. “إسرائيل” أطلقت هجمة “كاسر الأمواج” في محاولة مستميتة لكسر حدّة الانتفاضة المتجدّدة، لكن دونما جدوى. حاولت في مناسبة الفصح اليهوديّ إغلاق المسجد الأقصى للاحتفال فيه وذبح القرابين. الفلسطينيون احتاطوا سلفاً فاحتشد ستون ألفاً منهم ليلةَ الجمعة الثانية من رمضان للمرابطة وأداء الصلاة. اقتحم جنود الجيش والشرطة الصهاينة صباحَ الجمعة ساحات الأقصى والمسجد القديم وأمعنوا في المصلّين تقتيلاً وتجريحاً واعتقالاً، لكن هيهات أن يفلحوا في إخراجهم. تمسك المصلّون رجالاً ونساءً بمسجدهم وأكرهوا الغزاة على التراجع.

انتصارُ المصلّين في باحات الأقصى دوّت أصداؤه في مجمل الأراضي المحتلة، فاندلعت تظاهرات التأييد العارم والصدامات العنيفة مع قوات القمع المعادية في عدّة بلدات وقرى كان أبرزها أمّ الفحم في عمق الأرض المحتلة العام 1948 وبيتا في جنوب نابلس.

الحدثُ اللافت بعد موقعة الأقصى دعوةٌ أطلقها رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست (البرلمان) أيمن عودة مناشداً العرب الذين يخدمون في صفوف قوات الأمن “الإسرائيلية” إلقاء السلاح والتراجع عن هذه الخدمة. استطلاعٌ للرأي أجرته قناة التلفزة “الإسرائيلية” 13 أظهر أنّ نحو 40 في المئة من المستطلعة آراؤهم وافقوا على دعوة عودة. وعليه، لم يتأخر بعض رجال الشرطة العرب عن استجابة دعوته بأن بادر أحدهم الى الاستقالة من الشرطة احتجاجاً على سلوكها إزاء العرب في الأراضي المحتلة ومؤكداً: “تركتُ الشرطة بعد أن شاهدت كيف تتعامل مع العرب بعنصرية، وأحياناً كنت لا أشارك في مهمات معينة بسبب التعليمات التي نضطر الى تنفيذها والتي لا حاجة إليها” (صحيفة “يديعوت أحرونوت” 2022/4/12).

الظاهرةُ الأكثر دلالة كانت تداعيات دعوة أيمن عودة على منظومة الأمن “الإسرائيلية”. فقد قرّر القائد العام للشرطة الجنرال يعقوب شبتاي منح تسهيلات لأفراد الشرطة المتورّطين في أعمال عنف ضدّ السكان المدنيين، وإقرار المزيد من الحوافز المالية لعناصر الشرطة العاملين في المدن والبلدات العربية، خصوصاً في القدس الشرقية، شريطة الالتزام بالعمل عامين إضافيين في صفوف الجهاز. (صحيفة “معاريف”، 2022/4/14).

   الى ذلك، لم تقتصر التداعيات على الوسط الأمنيّ بل تعدّته الى الوسط السياسي. فقد اتجهت أنظار قادة التكتلات السياسية في الكنيست الى زعيم القائمة العربية الموحدة (راعم) منصور عباس المؤيد لحكومة نفتالي بينيت متسائلين عمّا إذا كان سيسحب تأييده لها ما يُضطرها الى الاستقالة وإجراء انتخابات جديدة لكونها تحظى بتأييد 61 عضواً فقط من أعضاء الكنيست الـ 120. لكن بعد استقالة عيديدت سيلمان من الائتلاف الحاكم وانخفاض عدد مؤيدي الحكومة الى 60 باتت معرّضة للسقوط في أيّ لحظة يقرّر فيها عضو واحد من هؤلاء حجب الثقة عنها.

في حمأة هذا التأزّم الأمني والسياسي، عقدت فصائل المقاومة الفلسطينية اجتماعاً طارئاً اتخذت فيه عدّة قرارات مهمة أبرزها:

ـ البقاء في حال انعقاد دائم الى جانب غرفة عمليات خاصة لمتابعة التطورات واتخاذ ما يلزم لحماية الشعب الفلسطيني ومقدساته، والتركيز على معادلة القدس وغزة وجنين واعتبارها خطاً أحمر.

ـ الخروج في مسيرات شعبية للدفاع عن المسجد الأقصى والتصدي لمواجهة الجيش “الإسرائيلي” في معظم المدن والبلدات الفلسطينية.

ـ توجيه نداء الى الشعوب العربية والإسلامية للخروج بتحركات شعبية احتجاجاً على سياسات “إسرائيل”، بما في ذلك التظاهر أمام سفاراتها وسفارات حليفاتها.

ـ رفض دعوات التوسط والتهدئة التي تقدّم بها بعض الدول المطبّعة مع “إسرائيل” لإمعانها في اعتماد نهج عدواني متصاعد ضدّ الشعب الفلسطيني ومقدّساته، ودعوة هذه الدول الى ممارسة الضغوط على “إسرائيل” لوقف استفزازاتها واعتداءاتها المتواصلة.

ـ مطالبة الهيئات والمنظمات الدولية باتخاذ الخطوات اللازمة لوقف انتهاكات “إسرائيل” واعتداءاتها لكونها تؤدّي الى اشتعال المنطقة برمّتها.

كلّ شرائح وفئات وأوساط الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات تجاوبت مع نداء فصائل المقاومة سواء باعتصامها ومرابطتها في المسجد الأقصى أو بالتظاهرات الحاشدة في شتى مدن وبلدات الوطن السليب. كذلك كان موقف الأحزاب القوميّة والإسلاميّة في الأردن، حيث طالب المتظاهرون بطرد سفير “إسرائيل” في عمان وإلغاء معاهدة “وادي عربة”، وفي لبنان حيث عُقدت اجتماعات وندوات ندّدت باعتداءات “إسرائيل” وطالبت فصائل المقاومة العربية بدعم نظيراتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الى ذلك، صدرت مواقف تأييد ودعم من قادة ومسؤولين في لبنان وسورية والعراق واليمن وقطر والكويت وإيران، لا سيما من حرسها الثوري، وكذلك من منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من السعودية مقراً لها.

من مجمل هذه التطورات، كما من تسريبات قياديّين في فصائل المقاومة الفلسطينية وحلفائها، يمكن تحديد الهدفين الأكثر أهمية وجدّية لتنظيمات المقاومة في هذه المرحلة بأنهما تعميم المقاومة وتصعيدها في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة من النهر الى البحر، بجميع الأشكال والصيغ والتحرّكات بغية مشاغلة العدو الصهيونيّ أمنياً وتعميق أزمته سياسياً واجتماعياً لحمله على وقف هجمته القمعية والاستيطانية الشرسة والمتمادية، وتهديده المتفاقم للمسجد الأقصى وغيره من الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، والضغط عليه بقوة لدفعه إلى تقديم تنازلات محسوسة على جميع المستويات بما يؤدّي الى خفض الضغوط على الشعب الفلسطيني لتمكينه من توظيف مزيد من قدراته في خدمة قضية التحرير والعودة.

  الى ذلك، يتطلّع قادة الفصائل الفلسطينية وحلفاؤهم الى اغتنام ما يتولّد عن الصراعات الدولية والإقليمية من فرص في شتى المجالات لإعادة إحياء مركزية قضية فلسطين والارتقاء بها مجدداً الى صدارة القضايا والاهتمامات العربية والإسلامية والدولية بعدما تآكل ذلك بفعل عوامل عدّة، لعلّ أبرزها الخلافات والصراعات العربية الداخلية والبينية، ونزوع بعض الدول العربية والإسلامية الى التطبيع مع الكيان الصهيوني وتطوير العلاقات الاقتصادية والتحالف العسكري معه في وجه ما تبقّى من أعدائه العرب والمسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى