حديث الجمعة

لا بدّ من تغييرها..

من أخطر المفاهيم التي نسمعها هو (قبول العوض) والمقصود به هنا التعويض الذي يتحمله شخص مقابل خطأ تسبب بخسارة لشخص ما.

عندما تصطدم سيارة بسيارة أخرى نسمع من يقول: «حصل خير، الله من يعوضك». ولا يعطيك فرصة أمام تلك الجماهير الغفيرة المحتشدة التي تجمعت لتشاهد ما حدث أن تعبر عن حزنك وعوضك، وكأنه بهذه الكلمات التي قالها سيعيد السيارة كما كانت قبل وقوع الحادث!

وعندما تسأله أو يسأله أحدهم لو هو من تعرّضت سيارته للضرر، هل يا ترى كان سيترك من تسبب له في الحادث ويذهب؟

أم سيتمسك بحقه في تصليح الخطأ الذي ارتكبه الجاني؟

وكالعادة ستكون الإجابات شديدة المراوغة وسرعان ما تجد من سيردّد بعض العبارات الاستهلاكية وهي جميعها كلمات مجاملة لفض الحكاية وهذه الكلمات تجعلك تلتزم الصمت بعد أن تم تغليفها بإطار ديني رغم أننها حادث لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد.

أليس العدل الذي يفرضه القانون ينص على إقامة الأحكام وتنفيذها وأنه من أخطأ يجب أن يعاقب، ومن ارتكب الجريمة يجب أن يحاسب عليها، ومن تسبب في خسارة يجب أن يعوّض من خسر، أم نترك الحقيقة تتوه والعدل يضيع والفوضى تعم!

لا يستوعب من قال الله سيعوضك حجة الأذى النفسي في قلب المجني عليه ولا حتى يستوعب التكلفة المادية المرتفعة التي سيدفعها المجني عليه من جيبه لقاء حادث تسبب فيه شخص أخر كل همه أن يصل إلى موعده بوقت قصير ويزيد سرعة سيارته التي تسببت في أذى طرف آخر كان يمشي بهدوء ليصل إلى عائلته وأولاده سالماً!

وعلى الضفة الأخرى سيدة يتم صفعها وأخرى يتم ضربها وأخرى يتم التحرش بها وأخرى تعاني الحسرة والخذلان من أقرب الناس لها وأخرى يتم سلب حقوقها وتُحرم من ميراث عائلتها أو زوجها المتوفى وأخرى يتم استحلال مصدر رزقها ليعانوا جميعاً من القهر والظلم ويبقين ساكتات عن الحق بحجة أن المرأة ضلع قاصر وأن الله سيعوّضها!

لو مرض ولدها واحتاجت إلى علبة دواء هل ستهبط عليها النقود من السماء فقط لأنها سكتت عن حقها وعن مالها المسلوب!

لو احتاجت إلى عملية هل ستتكاثر الأيدي التي تعطيها المال لأجل العملية واحتياجاتها فقط لأنها سكتت عن حقها ولم تطالب به!

يمكن تعويض الخسائر المادية بمقابل مادي يوازي قيمة إصلاح الخسائر والأضرار الناجمة في الوقت الحالي والتي سينجم أضعاف منها في المستقبل.

لكن كيف يمكن تعويض المشاعر والكرامة والأحاسيس الإنسانية؟

هذه محالة أن يتم تعويضها لأنها لا تقدر بثمن.

كيف يمكن تعويض القهر والعذاب وسياط الروح يضرب عليهم في اليوم الواحد ألف جلدة وجلدة.

هذه أشياء لا تقدّر بثمن ولا تشترى ولا يمكن تعويضها أبداً..

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى