أخيرة

المقاومة فعل وطنيّ إنسانيّ

} عبير حمدان

يتلوّن الزمن على إيقاع التطور السريع ويعمد البعض الى تعليب المفاهيم وتحريف التاريخ بهدف حرق الذاكرة غير مدرك أنها ذاكرة حيّة وقريبة والأرض شاهدة لتروي كيف علت بيارق العزّ ذات آيار.. هناك كانت الريح تعانق السيل البشريّ الذي نزع الأسلاك الشائكة بالأيادي المتشابكة وفتح بوابة التحرير الى قلب الوطن..

من لم يتنشق غبار الانتصار في أيار 2000 فلن يفقه معنى الحرية والكرامة ولو بعد ملايين السنين، من لم يتلقف شمس الجنوب في ذاك التاريخ فلن يدرك كيف تسمو الأشجار مزهوة بثراها وجذورها الضاربة عميقاً في نبض الوجود.

أن نكتب عن التحرير هذا لا يعني تكرار السطور الوجدانية ورصف المعلقات والقصائد والتسابق في التعابير بلغة سليمة، بل من الأجدى أن نعمل على تكريس المكرس والقول إن في بلادنا شباناً وشابات لم ينتظروا أن يشرع أي نظام أو مرجعية رسمية وجودهم حين قاوموا وواجهوا المحتل من قلب بيروت الى الجنوب وعمق الجليل، في بلادنا «خالد» و«سناء» و«لولا» و«أحمد» و«عماد» ولائحة طويلة منغرسة في الوجدان أسست أرضية ثابتة لاستكمال المسيرة وتحقيق الانتصارات المتتالية التي بدأت بانسحاب العدو من بيروت بعد عملية الويمبي في 24 أيلول 1982 وصولاً إلى اندحاره من الجنوب في أيار 2000 وهزيمته في تموز 2006.

هذه التواريخ يجب على كل المعنيين من مثقفين وتربويين تردادها والعمل على جعلها مادة متداولة في متناول جيل كامل منه من وُلِد بعد العام 2000 وجذبته شعارات مختلفة لا تشبه تاريخه، لا بل إن من يطلق الشعارات الرنانة المتمثلة «بالربيع» و«الحرية» وما يتبعها من مصطلحات يهدف إلى تشكيل الجغرافيا بما يتلاءم ومصالحه.

ثقافة المقاومة لا تكون بالخطابات الموسمية والأعمال الدرامية المؤطرة والنزعة الفردية. فالمقاومة ليست حكراً على فئة دون أخرى وليست محصورة بتسمية، المقاومة فعل وطني إنساني وحق يمتلكه كل شعب ضد عدو يصرّ على اغتصاب خيراته وثرواته حتى بعد اندحاره، وعليه يجب أن لا ينحصر التحرير بيوم وذكرى ففي كل جزء من الثانية علينا الكتابة عنه والاحتفاء به.

فسلام عليكم ولكم يا من كتبتم على وجه الريح حكاية مجد. سلام عليكم يا من رويتم الثرى بدمائكم فتعمّد من طيبكم عبق الاقحوان. سلام على أياديكم التي سدّدت وأصابت وعلى عيونكم التي رصدت ولم تغفُ وعلى ثبات أقدامكم وعلى قطرات صبركم. سلام عليكم يا من حصدتم الشمس والقمر ومن عليائكم مددتم جسراً نحو ذاك التراب وزهر الليمون وشتلة التبغ ولعب الأطفال ونصر أيار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى