مقالات وآراء

معادلة الغاز والقطب الواحد من دمشق الى كييف وصولاً الى كاريش

} خضر رسلان

نتيجة لتداعيات الفراغ الذي نتج عن انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية القوة الأكثر تأثيراً في العالم، بل باتت تتحكم بشكل سافر بمصائر الشعوب وتقود البشرية في الاتجاه الذي تريد وبالشكل الذي يتناسب مع توجهاتها العالمية، فالقدرات التأثيرية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأميركية سواء الاقتصادية منها او العسكرية او التكنولوجية دفعتها لتكون القوة الوحيدة المهيمنة، وبالتالي القطب الأوحد دون القبول بشراكة أحد على الإطلاق مع ترك بعض الهوامش، من قبيل إعطائها أدواراً محدّدة لدول مثل ألمانيا وفرنسا واليابان والصين وروسيا، على ان لا يخلّ ذلك بالدور المهيمن الذي تحرص الولايات المتحدة الأميركية ان يضمن لها تفرّدها وسيطرتها على مقدرات الدول والشعوب كقوة عظمى وقطب وحيد لا يقبل ايّ مشاركة…

ورغم تحكمها بحركة اقتصاد الدول في العالم مستندة في ذلك على جبروتها وتسلطها بواسطة آلتها العسكرية ونظامها المصرفي الذي يتحكم بالنفط، وهي من أكبر المستوردين والمستهلكين له…

هذه السيطرة وهذا التحكم المقرونان بالقدرة العسكرية والسياسية مرشح للاهتزاز والانحسار لعدة عوامل؛ منها قوة الخصوم وعلى رأسهم روسيا التي استطاع فلاديمير بوتين بناء قوتها وتعزيز قدراتها متبنياً استراتيجية ترفض هيمنة القطب الواحد الى عالم متعدّد الأقطاب وهذا ما قضّ مضاجع الأميركيين، إلا انّ الهاجس الأكبر لدى أميركا هو ارتفاع الحاجة المتسارعة الى البديل الطبيعي للنفط وهو الغاز والذي تتربع روسيا على عرشه، وبفضل ذلك كان الاعتماد المتبادل بين روسيا وأوروبا في المجال الاقتصادي ضماناً للحفاظ على السلام والاستقرار في أوروبا ولطالما كانت السيطرة على أوروبا عنصراً أساسياً في الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.

لقد بات واضحاً أنّ الإمساك بزمام موارد الغاز الطبيعي، وأنابيبه وممراته، أضحى جزءاً أصيلاً من معايير القوة الجيوسياسية في العالم. ومن هنا يمكن فهم آليات التنافس والصراع بين المحورين الروسي والأميركي وصيرورتها التي تشي باقتراب تبدّل النظام العالمي من هيمنة القطب الواحد إلى نظام آخر متعدّد الأقطاب.

وبناء على ما تقدم يمكن الاستنتاج انّ الاستراتيجية الأميركية التي تعمل على محاصرة روسيا والذي يبدو في ظاهر الأمر الحرب على الغاز ولكن الحقيقة هي الاستماتة الأميركية في الاستفراد في قيادة العالم كقطب أوحد لا يقبل التعدّد، وقد بدا ذلك جلياً في نماذج ثلاث:

1 ـ الحرب الكونية على سورية (أهمّ أسبابها محاصرة روسيا).

سورية من خلال موقعها الجيوستراتيجي المهمّ على البحر المتوسط وثرواتها الواعدة، هي مفتاح آسيا من خلال الخط المقترح أميركياً وأوروبياً (الذي سقط وفشل) وهو استجرار الغاز من قطر الى سورية ثم تركيا الى أوروبا وهذا الأمر لإنجازه يستدعي إسقاط سورية ودورها المقاوم وتقليص دور روسيا الطامحة الى استعادة مكانتها في عالم متعدد الأقطاب وهنا مكمن الخلاف ومربط النزاع والاشتباك الإقليمي من الخليج إلى تركيا، حيث تعتبر روسيا أن سورية «بوابة موسكو» كما قالت الامبراطورة الروسية كاترين الثانية.

2 ـ الحرب الأوكرانية (الأطلسية) – الروسية

بعد الفشل الأميركي الأوروبي في هزيمة أو إضعاف روسيا والتي ازدادت قوة وحضوراً وثباتاً وقد تظهّر ذلك في انتشارها الواسع على الشواطئ السورية فضلاً عن بنائها لشبكة تحالفات اقتصادية وأمنية وغير ذلك مع دول مؤثرة كالمارد الصيني والجمهورية الإسلامية في إيران، إضافة الى بناء شبكات اقتصادية ضخمة مع الدول الأوراسية والعديد من الدول الأوروبية التي تدور تاريخياً في الفلك الأميركي، وهذا ما اعتبرته أميركا مؤشراً خطيراً ومساعداً ومعززاً للمسعى الروسي في كسر الأحادية القطبية الأميركية الى عالم متعدّد الأقطاب، وهذا ما سرّع الخطوات الأميركية المرسومة سلفاً والتي تستهدف إشغال روسيا وإضعافها واستنزافها عبر البوابة الأوكرانية تمهيداً لإسقاطها، وحيث انّ قيادة فلاديمر بوتين نجحت في فرض أجندتها سواء في المواجهات العسكرية في أوكرانيا او عبر إجبار الأورروبيين الراغبين في الغاز الروسي بتسديد ثمنه بالروبل الروسي ما أدّى الى تعزيز الواقع الاقتصادي الروسي، هذا الواقع حدا بالأميركيين للتوجه الى بدائل أخرى لتزويد أوروبا بالغاز قبل الشتاء المقبل فكان التوجه الى السواحل اللبنانية الفلسطينية.

3 ـ غاز المتوسط بديلاً للغاز الروسي

من الأمور الواضحة انّ الأميركيين لن يسمحوا باستخراج الغاز من المتوسط إلا ضمن استراتيجتهم التي تمنح الأولوية للمصالح «الإسرائيلية» سواء في عمليات الترسيم التي تتضمّن إصراراً أميركياً على عدم الحديث عن الخط 29، وأيضاً على مساندة الكيان المحتلّ الرافض حتى للخط 23، وأيضاً إصراره على السيطرة على حقل قانا، وبعيداً عن التفاصيل التقنية فإنّ الغاية الأميركية في استخراج الغاز من المتوسط هو الاعتبارات الأمنية الاستراتيجية التي تهدف الى إيجاد البدائل العملية المؤدية الى استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، وهذا ما يساهم في إنجاح الخطط الأميركية الهادفة الى إجهاض ما تسعى إليه روسيا من تعزيز مكامن قوّتها التي تؤهّلها الى كسر الأحادية القطبية الاميركية الى عالم متعدد الأقطاب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى