مقالات وآراء

بين الفشل الفرنسي والعودة الأميركية… تعقيدات رئاسية جديدة ولبنان رهن الانتظار

 نمر أبي ديب

بالرغم من تطورات المنطقة، ومحاولة استثمار ما يجري اليوم على الساحتين اللبنانية، والخارجية المتمثلة بدول الخماسية، يُضاف إليها الدول المعنية بالسياسة اللبنانية، ووضعه «أيّ وضع ما يجري ضمن الخانة الرئاسية»، يدرك جميع من في الداخل اللبناني والخارج الإقليمي والدولي تصدر العديد من الملفات الاقليمية، السياسية منها وحتى الأمنية والعسكرية واجهة الاهتمام الدولي، بعيداً عن أيّ أولويات أخرى، أو حسابات يمكن أن تقود في مراحل حالية ولاحقة ضمن (المدى القريب)، إلى إحداث تعديل استثنائي في ترتيب الأولويات العالمية، ما يؤكد اليوم على أكثر من معطى سياسي استراتيجي يتعلق بالملف الرئاسي تحديداً، من بينها: عدم نضوج الظروف الدولية المساعدة أو المتممة لاخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة المراوحة المستمرة، وهذا يعني بشكل أو بآخر أنّ الإفراج عن الملف الرئاسي مؤجَّل حتى اشعار آخر، وأنّ الملفات الأخرى تتقدّم من حيث الأولوية والتأثير، الذي يفترض أن تتركه تلك الملفات على عناوين عديدة منها على سبيل المثال الميداني لا الحصر، «أمن الحدود» في بُعديه اللبناني الصرف مع فلسطين المحتلة، والاقليمي المتمثّل بكلّ من دولة اليمن (البحر الأحمر، باب المندب)، العراق، وسورية، وغزة.
في سياقٍ متّصل برزت على خط الأزمة الرئاسية ملامح «عودة أميركية» إلى لبنان بـ التوازي مع مراوحة رئاسية مستمرة، دخلت من خلالها «الخماسية» بمجمل مؤثراتها السياسية كما الدبلوماسية مرحلة تغييب دولي لمتمّمات الحلّ الرئاسي، في حين لا تملك الخماسية حداً أدنى من مقومات التقدّم أو التوصّل إلى إحداث فارق أو خرق رئاسي استثنائي انطلاقاً من تعدد واختلاف الأهداف الدولية في مراحل ما بعد الرئاسة، مروراً بعدم التوصل إلى أيّ اتفاق يشمل الخيار الثالث، وصولاً إلى يقين بأنّ «المفتاح الرئاسي» لم يكن يوماً في جعبة «الخماسية الدولية»، ولا حتى في متناول «اليد الفرنسية»، وما حدث حتى اللحظة، مشهد رئاسي غير مكتمل الأوصاف، عكس عمق التباين من جهة، وحجم الاختلاف في مقاربة الملف اللبناني بشكل عام والرئاسي تحديداً.
ما حدث يفتقد إلى جملة معايير سياسية، وموازين ضامنة لثقف المواجهة الحالية، وأيضاً لمساحات النفوذ السياسي والاقتصادي، لمجمل العوامل الناظمة والضابطة لإيقاع التوازنات السياسية والعسكرية، التي تشكل على مسرح المعادلة الدولية جزء لا يتجزأ من سياسات المنطقة وخطوطها الحمر الروسية، والصينية، والأميركية، كما الإيرانية من جهة والسعودية.
يؤشر التنقل المستمر للملف الرئاسي من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى الخماسية الدولية وما بينها من جهود استثنائية ومحاولات «فرنسية» مستمرة، وصولاً إلى العودة الأميركية، ودخولها الحتمي على خط ومسار الملف الرئاسي، إلى بدايات تعقيد جديدة للملف، انطلاقاً من اعتبارات عديدة ومسلمات سياسية أبرزها:
العودة الأميركية إلى الملف اللبناني إنهاء فعلي وحقيقي لكامل الدور الاستثنائي الذي تقوم به الخماسية الدولية، ومعها مجمل الجهود الفرنسية المبذولة في هذا السياق، كما يمكن اعتبارها: مقدمة أميركية، لتعقيدات سياسية جديدة، تلامس في أبعادها الرئاسية خطوطاً حمر دولية على الساحة اللبنانية، وفي هذا انتقال حقيقي من حراك الوقت الضائع الذي عملت بمفاعيله السياسية والرئاسية كلّ من «الخماسية الدولية وفرنسا»، إلى تعقيدات الأزمة ومراحل بلوغ المسارات الرئاسية فواصلها النهائية، التي من المفترض أن تتضمّن «مخارج التسويات» ومتدرّجات الحلول المنتظرة في كلّ من لبنان والمنطقة.
ما شهدته الساحة اللبنانية حتى اللحظة لا يتعدّى كونه «استدراج عروض رئاسية فارغة» من امكانية الترجمة السياسية داخل جلسات الانتخاب، التي عكست بدورها استحالة التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بمعزل عن تقديم التنازلات (بالمفهوم اللبناني)، التنازلات التي وكما يبدو لم يحن توقيتها الميداني بعد، سواء على مستوى اللعبة الداخلية التي باتت تحتاج في نظر البعض إلى ما هو أكبر وأعمق من فكرة التسوية، أيّ إلى «مؤتمر تأسيسي»، أو «عقد سياسي جديد»، يحاكي من حيث الأزمة اللبنانية، ومتدرّجاتها الزمنية، «الانقسام العمودي» الذي شهده لبنان في مراحل سابقة وما زال، حول هوية لبنان في الدرجة الأولى وانتمائه العربي، أم على مستوى الإدارة الخارجية للأزمة اللبنانية والحديث يتناول بشكل مباشر الدول المعنية، وفي مقدمتها دول الخماسية، وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا إضافة إلى المملكة العربية السعودية وإيران.
بغضّ النظر عن تطورات المشهد الاقليمي، تحديداً حرب غزة، ومفاعيلها الكارثية على السياسة العالمية من جهة، وأيضاً على أمن واستقرار المنطقة، يعيش العالم بجميع مكوناته الاقليمية والدولية مرحلة «تدرّج أزمات»، بعيداً في الشكل السياسي كما في المضمون الاستراتيجي عن مراحل استشراف الخواتيم النهائية، وصياغة التسويات السياسية كما العسكرية، التي ما زالت بعيدة عن متناول الجميع، وأيضاً عن النتيجة التي يفترض أن يبلغها سقف المراحل المقبلة.
يقف لبنان اليوم بكامل مكوناته الداخلية، السياسية منها والحزبية على منصات الحلول المقفلة، حيث «لا تنازلات سياسية في المدى القريب»، ولا حتى «تبدلات عسكرية» قاسمة في موازين القوى الاقليمية والدولية، ما يؤكد على أن الحلول الدولية مؤجلة بالكامل والأمور باتت تحتاج إلى أكثر من معجزة.
هل ينجح اللبنانيون في ملء الشغور الرئاسي بعيداً عن توصيات الخارج وإملاءاته المتكررة والمستمرة؟ أم أن الرئاسة حالة استثنائية في هذه المرحلة، وبند اول على قائمة الحلول الدولية التي لم تحن ساعتها الاقليمية بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى