أولى

ما جدوى الحوار الوطنيّ مع هذه الأطراف…؟!

 د. محمد سيد أحمد

لقد أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته للحوار الوطني في إفطار الأسرة المصريّة في رمضان الماضي، وهي دعوة لا نشكّ في صدقها وأهميتها، وقد مضى ما يقرب من شهرين على هذه الدعوة وعلى الرغم من مطالبة كثير من القراء للكتابة حول الموضوع إلا أنني كنت أتحاشى الكتابة قبل أن ينضج الموقف وتتضح الصورة. وكنت وما زلت أعتبر الصورة ضبابية إلى حدّ كبير، لكن ما دفعني دفعاً للكتابة هذا الأسبوع هو ما انتشر مؤخراً من روايات حول بعض من الذين سوف يشملهم الحوار، وعلى الرغم من اعترافي بأنّ كلّ مواطن مصري يتمتع بحقوق المواطنة كاملة من حقه أن يشارك في الحوار الوطني، إلا أنني أرى أنّ بعض الشخصيات التي تتصدّر المشهد الآن وتحاول أن تكون هي واجهة القيادة للحوار الوطني، خاصة رموز القوى السياسيّة الذين ظلوا قابعين فوق كراسي الأحزاب السياسيّة في الماضي والحاضر ويجوز في المستقبل لا يصلحون من الأصل للمشاركة في الحوار أو وضع أجندته لأنّ كلّ أفكارهم من الماضي، وبالتالي لا تصلح لصناعة المستقبل المأمول في ظلّ دولة تسعى لإنشاء جمهورية جديدة…!

هذه الوجوه المتصدّرة مشهد الحوار الوطني وكما يقول التراث الشعبي “قد عفى عليها الزمن” و”قد أكل عليها الدهر وشرب”، وبالتالي أيّ حوار معها سيكون مضيعة للوقت، وإهداراً للطاقة في مرحلة الوطن في أشدّ الحاجة إلى حوار مع القوى الفاعلة الحقيقية والتي يمكن استثمارها في عملية إعادة البناء.

 وما دفعني وبقوة للكتابة عن الحوار الوطني تداول بعض الأخبار عن أنّ الحوار قد يشمل بعض القوى السياسية الدينية ومن بينها جماعة الإخوان الإرهابية. ومن يثير ذلك بعض رموز نظام مبارك، والجميع يعلم أنّ العلاقة بينهما وثيقة، بل يمكن القول إنها علاقة سرية محرّمة بدأت حتى قبل أن ينشأ نظام مبارك بسنوات، عندما قام الرئيس أنور السادات بعقد صفقته مع الجماعة الإرهابية في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، حين استدعى مرشدهم عمر التلمساني من السجن واتفق معه على أنه سيُخرجهم من السجون والمعتقلات ويقدّم لهم يد المساعدة، على أن يكونوا ظهيراً له في مواجهة خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين في حينه، وبالفعل بدأت الجماعة تفرض هيمنتها وسيطرتها داخل المجتمع المصري بدعم كامل من النظام السياسي الرسمي آنذاك، حيث قامت الجماعة بتفريخ العشرات من الجماعات الإرهابية التكفيرية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها تنشر أفكارها المسمومة في القرى والكفور والنجوع والعزب في ريف مصر قبليّ وبحريّ، وفي المناطق الشعبية والعشوائية الفقيرة داخل المدن، حتى استطاعت أن تشكل رصيداً اجتماعياً لا بأس به، هنا بدأت الجماعة تطمع في الحكم، وبالفعل انقلبت على السادات وقامت باغتياله ونسيت عهدها معه.

وجاء مبارك وعلى الرغم من أنّ تجربة قائده السادات كانت ماثلة أمام عينيه إلا أنه سار على نهجه المتحالف والمهادن للجماعة الإرهابية، وقام خلال فترة حكمه الممتدّة لما يقرب من ثلاثة عقود كاملة بعقد صفقات سرية مع الجماعة الإرهابية ظناً منه أنه بذلك يتقي شرّها ويسيطر عليها ويتحكّم في حركتها عبر أجهزته الأمنية وبذلك يضمن استمرار حكمه، لكنه كمن عاش والثعبان في جحر واحد معتقداً بذلك أنّ الثعبان سيحفظ له عشرته، لكن جاء الوقت الذي غدر فيه الثعبان بصديقه الذي قام بتربيته ورعايته، فعندما قامت أحداث 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ضدّ مبارك ورموز حكمه التي جرفت الأرض المصرية وسرقت ونهبت قوت الشعب وأوصلت البلاد إلى حافة الهاوية وأفقرت القطاعات الأوسع من المصريين بفضل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التابعة للنظام الرأسمالي العالمي والمنفذة لأوامر الولايات المتحدة الأميركية عبر روشتات صندوق النقد والبنك الدوليين، فكانت الجماعة الإرهابية المتربّصة بمصر وشعبها أول المنقلبين على مبارك ونظامه وسعت لإزاحتهم من سدة الحكم والجلوس مكانهم بمساعدة السيد الأميركي نفسه الذي كان يدعم مبارك ونظامه، ونسيت الجماعة الإرهابية ما كان بينها وبين مبارك ونظامه من علاقات وثيقة وتعاون متبادل خاصة أنّ كليهما يعمل كأداة في يد السيد الأميركي.

واستردّ الشعب المصري وعيه بسرعة وخرج منتفضاً وثائراً في وجه الجماعة الإرهابيّة في 30 يونيو/ حزيران 2013 كما خرج ضدّ نظام مبارك في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وخلال هذه الموجة أدرك المصريون أن لا أمل في القوى السياسية الموجودة على الساحة المصرية والتي عادت الآن لتتصدّر مشهد الحوار الوطني، لذلك وجدوا الملاذ الوحيد في الجيش وطالبوا قائده بالترشح للرئاسة من أجل القضاء على جماعة الإخوان الإرهابية ورموز نظام مبارك، فكلهما ينفذ المشروع الأميركي الذي يهدف لتفتيت وتقسيم الوطن العربيّ تحت مسمّى مشروع “الشرق الأوسط الجديد” ومصر هي الجائزة الكبرى لهذا المشروع، وفعلاً استجاب الرجل للضغط الشعبي، وطلب تفويض من الشعب لمكافحة الإرهاب، ولم يخذله الشعب وخرج في 26 يوليو/ تموز 2013 ليقدّم له هذا التفويض، ومرّت تسع سنوات والمعركة مع الإرهاب مستمرّة…

لذلك من العبث أن نسمح بتداول مثل هذه الأخبار أثناء دعوة الرئيس للحوار الوطني، فهذه الجماعة غير وطنية من الأساس وما فعلته ولا تزال تفعله يجعلنا نؤكد أنّ أيّة دعوة للحوار معها هي دعوة غير وطنية وتستهدف النيل من الأمن والاستقرار الذي شهدته مصر بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى