أخيرة

نافذة ضوء

قانون التطوّر والتطوير

في المفهوم الفلسفيّ القوميّ – الاجتماعيّ

} يوسف المسمار*

قانون التطوّر

حياة الأمم تخضع لنواميس. ومن هذه النواميس ناموس التطور.

وناموس التطور هو حركة طبيعيّة تلقائيّة تنقل الأمة   من حال الى حال، ومن وضع الى وضع، فتزداد الأمة قوة ً ونمواً، ويشتد عودها في سير التاريخ صلابة ومنعة، فتحتل مكانها في دنيا الثقافة والأنتاج، وتأخذ دورها في صراع الحضارات والعمران.

الأ أن هذا المجرى ليس واحدا ً لجميع الأمم. بل ان لكل أمة خط سيرها وخطط نفسيتها وإن تشابهت جميع الأمم في البدايات، أو تلاقت في الأمنيات والأحلام.

ولذلك فقد تمايزت الأمم في عالمنا بين قويّها وضعيفها، فنما بعضها وكبرَ بفاعلية النموّ وعزيمة الصراع، فأوجد لنفسه مكاناً مرموقاً بين الأمم. وشارك في حركة الثقافة والحضارة الإنسانيتين، بينما ضعف بعضها وصَغرَ بعامل الخمول وفقدان العزيمة والثقة بالنفس ففقد سيادته على وطنه وتحكمت بمصيره أمم ودول أخرى، وسيطرت على مقدراته وإمكاناته وموارده فانتهى فاقد الأهلية في عالم ليس فيه لغير الأقوياء مكان.

قانون التطوير صراع إنسانيّ

لكن ناموس التطور ليس وحده الحاسم في حياة الأمم، بل يشاطره في ذلك الحسم قانون آخر هو قانون حركة الصراع والتقدم الإنسانيين الذي يجعل من الإنسان جانبا ً سلبيا ً في مواجهة الطبيعة ومواجهة من يعتدي عليه ويريد ويعمل على إذلاله والتحكم به.

وقانون الصراع القومي الاجتماعي الإنساني في مفهوم الفلسفة القوميةالاجتماعية لا يكتفي بالانفعال بل هو يتفاعل وينفعل ويفعل، فيكون للأمم الفاعلة غير مصير الأمم المنفعلة. ويكون للأمم المنكوبة المستسلمة غير مصير الأمم المنكوبة الناهضة.

وفي مواجهة الكوارث والنكبات تمتحنُ الأمم في أصالتها وفي مواهبها وفي قدراتها فتتمايز وتتنوع وتتفاضل في وعيها ومواقفها وصراعها. فحيُّها في الوعي والروحية يصمد ويواجه ويصارع وينتصر. وميّتها في الوعي والضمير ينهار ويستسلم ويخنع ويستسهل الذل ويموت ويتلاشى.

الأمم الحيّة المنكوبة تنهض بقانون الصراع

وإنقاذ الأمم الحية الجميلة النفسية، والعظيمة المرامي والمثالية المقاصد لا يتحقق إلا بممارسة البطولة الواعية المؤيدة بصحة العقيدة كما أوضح العالم الاجتماعي والفيلسوف والاستراتيجي البعيد النظر أنطون سعاده حين قال:

«وقد تأتي أزمنة مليئة بالصعاب والمحن على الأمم الحية، فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة الواعية المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها، قررته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة».

من هذه النقطة بالذات بدأت النظرة السورية القومية الاجتماعية التي أطلقها في الأمة العالم الاجتماعي والفيلسوف النهضوي ومستشرف المستقبل أنطون سعاده حين وضع مبادئ العقيدة القومية الاجتماعية ليس لأمتنا وحسب بل لجميع الأمم التي ترفض الخمول وتريد أن تنهض ولا تقبل الحياة إلا حرية ورقياً وعزاً فقال:

«إنّ في المبدأ السوري القومي إنقاذاً لا يقتصر على سورية، بل يتناول وضعية المجتمع الإنساني كله. ونهضتنا لا تعبّر عن حاجاتنا نحن فقط، بل عن حاجات إنسانية عامة».

ولأن أمتنا نكبت بأعظم ما تكون النكبة من غياب الوعي، وفقدان السيادة، وتفتت المجتمع، وتفسخ الوطن، والائتمار بمقررات الأعداء، والدوران في أفلاك المستعمرين، فإن القول المتقدم المتعلق بأزمنة الصعاب والمحن هو أول ما يجب أن نفهمه الآن، ويرافق وعينا في كل آن، وبه يجب أن يعمل جيلنا الحاضر وكل أجيالنا القادمة.

وبغير اعتماد البطولة الواعية في حياتنا، فإننا نسير مهملين وناسين جيّد حضارتنا ومنتقلين من سيئ ٍ الى أسوأ ومن أسوأ الى أسوأ منه مُعرضين بذلك وجود أمتنا وحياتنا ومصيرنا الى أحد مصيرين قاتمين قاتلين هما:

إما الاستسلام والذوبان في مجرى نهضة أمة حضارية قوية أو دولة همجية، وإما الدوران في فلك تبعية أمة من الأمم.

الأمم التي تتنازل عن حقها في النهضة تموت

وباستسلامنا وتقاعسنا نكون قد تنازلنا عن حقنا في الحياة والكرامة والحرية، وأعطينا الدليل الأكيد على أننا غير جديرين بالحياة الحرة العزيزة، ولا نستحق أن نكون من أبنائها، وعند ذلك يكون وجودنا في هذا العالم بلا معنى ولا جدوى ولا فائدة.

إن أبناء الحياة العزيزة هم الواعون المؤمنون المصارعون المُنطلقون من معرفة قضيتهم، والعاملون بالإيمان العظيم الذي فيهم، من أجل تثبيت قِيمهم ومناقبهم في صراع الانتصار والتفوّق.

إنهم أولئك الذين يعرفون كيف يلجون أعماق تاريخ أمتهم فيستمدّون من مواهبها الأصيلة روح نهضة مجتمعية تفعل في المجتمع هزا ً وإيقاظا ً وتفجيرا ً، وتتحقق به وفيه حياة ً متجددة ً جديدة ً جيدة بكل ما تتضمنه هذه الحياة من وعي وإيمان ومعرفة ومناقب وفضائل ومثل عليا، وتتجسد في حركة عقلية نظامية نهضوية غير منتظرة فعل قانون التطوّر بل أمة فاعلة بقانون جديد هو قانون التطوير الإنسانيّ الدينامي لا التطوّر التلقائي البطيء والذي يعني قانون حركة النهضة القومية الاجتماعية الإنسانية المغيّرة مسار التاريخ من التخلف الى الرقي ومن التقهقر الى التقدم.

وهذا هو قانون الفلسفة القومية الاجتماعية في الحياة لكل أمة تريد أن تتخلص من الويلات التي حلّت بها وتحل وسوف تحلّ.

*باحث وشاعر قوميّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى