أولى

التعليق السياسي

العنف الكلاميّ والتنمّر ومنظمة العفو الدوليّة

كان لافتاً البيان الصادر عن منظمة العفو الدولية حول ما أسمته التطاول على النساء في المجلس النيابي، ومطالبة رئيس المجلس بتحمل المسؤولية، وقولهامن المعيب أن تتعرّض النائبات في مجلس النواب اللبناني، خصوصًا اللواتي ينتقدن السلطات، للمضايقة من نظرائهنّ الرجال ومن رئيس مجلس النواب نفسه لمجرّد كونهنّ نساءً في برلمان يطغى عليه الرجال”.

البيان جاء على خلفية ما قالته النائبة سينتيا زرازير عن تعرضها لما وصفته بقولهاتلطيش نوّاب السلطة الذين تتفوّق ذكوريتهم على رجولتهم”. كماتتعرض للتنمّر على اسم عائلتها”.

الأكيد أن منظمة العفو الدوليّة التي يفترض أنها تملك أرشيفاً يغطي السنوات الثلاثين من عمر المجلس النيابي تعرف أن عدداً من النساء شغلن مواقع نيابية في مجالس متعددة، وأن بعضهن شغل لسنوات منصب رئيس لجنة نيابية، وأن هذه الظاهرة إذا صدق الحديث عنها، وهو ما نفته الأمانة العامة لمجلس النواب، لا جذور ووقائع توحي بأي أثر سابق لها، وهي بالتالي إن وجدت فهي وافدة على مجلس النواب. ومن المستغرب أن تسارع منظمة يفترض بها الجدية والتحفظ المسارعة لإصدار موقف لمجرد أن المتضامن معه ينتمي لما يوصف بمنظمة شقيقة، باعتبار النائبة تنتمي لإحدى منظمات المجتمع المدني، فهذا نوع من أنواع الفساد يفترض أن تتنبّه له المنظمة، خصوصاً ان النائبة تحدّثت لاحقاً عن نيتها حمل سلاح داخل المجلس، دون أن تشرح كيف ستستخدم السلاح لمنع التنمّر والعنف الكلاميّ؟

الذي يهم هنا هو أن الحياة السياسيّة منذ توسّع نشاط منظمات المجتمع المدني بدأت تتعرّف على ظاهرة أسماها أركان هذه المنظمات ورموزها وبعضهم نواب، بالعنف الكلامي الثوري القائم على نشر كمية من السباب والشتائم والكلمات البذيئة على وسائل التواصل الاجتماعيّ وشهدت تظاهرات 17 تشرين عيّنات فاضحة عنها، وكان بعضها يتناول الأمهات والزوجات لشخصيات استهدفتها المنظمات التي تعتبرها منظمة العفو الدولية شقيقة، ولم نسمع منها بيان إدانة او استنكار لهذه البذاءة السوقيّة المنفرة والبشعة.

إذا كان هناك من تدين له الحياة السياسية بالبذاءة، فهي هذه المنظمات، التي خرجت من صفوفها سيدة تقول إن شتيمة الأمهات وذكر الأعضاء التناسليّة في الهتافات والشعارات، تعبير عن العنف الكلامي الثوري المشروع بل هو إحدى أدوات الثورة، وإذا صدقت النائبة المشتكية من التنمّر في اتهاماتها فذلك لا علاقة له ببيئة التعامل داخل مجلس النواب، بل بثمرات ثقافة قامت بنشرها وتعميمها منظمات المجتمع المدني التي تنتمي النائبة المعنية إليها.

تهذيب اللغة تعبير عن رقي وأخلاق ومعيار ديمقراطي أصيل، والتهذيب لا يكون في اتجاه واحد، عسى أن تقرأ منظمة العفو الدولية وتنتبه لصحة مقاصدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى