أولى

نحو أساس عمليّ لتسوية متكاملة: كامل الطاقة للبنان وسورية مقابل توريدها لأوروبا؟

 د. عصام نعمان*

ما كان الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين ليعود الى بيروت لولا أنّ الولايات المتحدة و«إسرائيل» أخذا على محمل الجدّ تهديد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله باستخدام القوة إذا ما أقدم العدو الصهيوني على استخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصل الى تسوية مقبولة حول المنطقة المتنازع عليها. حتى لو أمكن التوصّل الى اتفاق حول المنطقة المتنازع عليها في المياه الإقليمية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة، فإنّ المقاومة لن تتخلّى عن تنفيذ تهديدها ما لم ترفع أميركا حظرها عن شركات الحفر والتنقيب المطلوبة للعمل على طول ساحل لبنان من الشمال الى الجنوب حيث تتوافر كميّات هائلة من النفط والغاز.

يترَدّد أن لا عروض في جعبة هوكشتاين بل مجرد أفكار يريد مناقشتها مع المسؤولين في لبنان لأنّ أولويته في هذه الآونة هي تخفيف حدّة التوتر لتفادي الاشتباك بين الأطراف ذات الصلة، وذلك في سياق العمل الجادّ لابتداع صيغة تسوية مقبولة.

تتعدّد الاقتراحات المدلى بها بشأن التسوية المرجوّة في وسائل الإعلام، لا سيما «الإسرائيلية»، وكلها تبدو مرفوضة من جانب المقاومة فيما لم يصدر عن الجانب الرسمي اللبناني أية مقترحات في هذا المجال. فهل يمكن استشراف أسس عملية لتسوية متكاملة بين أطراف الصراع؟

لعلّ الخطوة الأولى في هذه العمليّة البالغة الصعوبة هي في عرض مواقف ومطالب كلٍّ من لبنان و«إسرائيل».

يتمسّك لبنان بكامل حقوقه في ثروته النفطية والغازية الكامنة في القواطع Blocks العشرة الكائنة على طول ساحله من حدوده الشمالية مع سورية الى حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ويعتبر مبدئياً الخط 29 حدّه البحري الجنوبي مع المياه الإقليمية الفلسطينية التي أقام فيها العدو الصهيوني منشآت ومنصات لاستخراج النفط والغاز. ويطالب لبنان أيضاً برفع الحظر عن شركات الحفر والتنقيب الذي فرضته الولايات المتحدة للضغط عليه بغية انتزاع موافقته على صيغةٍ لترسيم الحدود البحرية الجنوبية مناسبة للعدو الصهيوني.

في المقابل، تدّعي «إسرائيل» انّ «مياهها الإقليمية» (المحتلة) تمتدّ الى شمال الخط 23 اللبناني ما يجعل كامل حقل كاريش المتنازع عليه وقسماً من حقل قانا ضمن ما تدّعيه من حقوق في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. وفوق ذلك، يضغط المسؤولون الصهاينة على الولايات المتحدة لتدويم الحظر على شركات الحفر والتنقيب بغية منعها من العمل لمصلحة لبنان بدعوى أنّ استحصاله على عائدات من النفط والغاز يصبّ في مصلحة حزب الله، وبالتالي يعزّز عملياته القتالية ضدّ «إسرائيل».

الى ذلك، ازداد الأمر تعقيداً مع اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية إذ أصبحت لأميركا مصلحة في تعجيل استخراج «إسرائيل» للغاز من منشآتها البحرية من جهة ومن جهة أخرى عدم تمكين لبنان من استخراج غازه قبل ضمان توفيره لحلفاء أميركا في أوروبا الذين يعانون من قطع الغاز الروسي عنهم.

هكذا تشابكت مصالح الأطراف المتصارعة، خصوصاً بعد انعقاد قمة طهران بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران والانعكاسات الإيجابية المحتملة لها على أطراف محور المقاومة والممانعة وفي مقدّمهم سورية وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية.

بعد هذه التطورات، بات يترتّب على مهندسي أية تسوية بين الأطراف المتصارعة في غرب آسيا، من شواطئ الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الى شواطئ بحر قزوين، ان يأخذوا في الحسبان مصالح جميع الأطراف المتصارعة في ساحاتها عند مبادرتهم الى اجتراح تسوية متكاملة للإفادة من ثروات الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط.

في ضوء هذه الواقعات والتطورات، أرى في منظور واقعي اعتماد الأسس الآتية لتسوية متكاملة:

أولاً: اعتماد الخط 29، وفق أحكام قانون البحار، حداً فاصلاً بين مياه لبنان الإقليمية ومياه فلسطين المحتلة بحيث تكون كلّ مكامن النفط والغاز شمالي هذا الخط ملكاً خالصاً للبنان، وتلك الواقعة جنوبه من ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية.

ثانياً، تعلن الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، ويأخذ المجلس علماً بقرار صريح منه، رفعَها الحظر عن جميع شركات الحفر والتنقيب الراغبة في العمل في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من الاسكندرون شمالاً الى الاسكندرية جنوباً، بما في ذلك كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقطاع غزة.

ثالثاً، يتعهّد لبنان وسورية بإعلانٍ في مجلس الأمن الدولي ويأخذ المجلس علماً بموجب قرار صريح منه، توريد إنتاجهما من الغاز والنفط الى جميع أنحاء العالم، وخاصةً الى دول أوروبا، وذلك بموجب اتفاقات تراعي أسعارهما الرائجة في الأسواق العالمية. كما يتعهّدان بإنشاء صندوق سيادي في كلٍّ منهما لتمويل مشاريع الإعمار والإنماء في أراضيهما، كما تُخصّصان الأموال اللازمة لتأمين إعادة النازحين السوريين الى ديارهم وبيوتهم.

تبدو هذه الأسس المقترحة أشبه بتمنيات في حمأة الصراع والتوتر اللذين يسودان منطقة غرب آسيا. لكن نظرةً متأنية وموضوعية اليهما كفيلة بأخذها في الحسبان والعمل جدّياً وبنَفَس طويل من أجل اعتمادها في صيغة تسوية متكاملة للصراع على موارد الطاقة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى