أولى

التعليق السياسي

سقطت معادلة الحل السلميّ في تايوان

منذ خريف عام 1971 وزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الى الصين، وحسم الاعتراف الأمميّ الحصريّ بجمهورية الصين الشعبية، وخروج تايوان من المعادلة الأممية، تم إرساء معادلة أميركية صينية تقوم على ثنائية، التزام واشنطن بصين واحدة لا مكان فيها للاعتراف بتايوان كدولة مستقلة ذات سيادة، مقابل التزام بكين بعدم فرض الوحدة القسريّة بالقوة على تايوان واعتماد الوسائل السلمية لتوحيد الأراضي الصينية، والمقصود حلّ النزاع مع تايوان.

انطلاقاً من هذه المعادلة لا يمكن تشبيه حالة أوكرانيا بحالة تايوان. فالحرب في أوكرانيا هي حرب بين دولتين معترف بهما دولياً لكل منهما حقوق سياديّة كاملة، لكنهما تختلفان حول حدود مفهوم الأمن القومي، حيث تعتبر أوكرانيا أن من حقها التطلع للانضمام الى حلف الناتو من موقع فهمها لأمنها القوميّ، رغم ما يمثله ذلك من استفزاز وتحدٍّ لجارتها الكبرى روسيا، وروسيا تعتبر أن توسّع الناتو في جوارها يمثل تهديداً لأمنها القومي، ولذلك وقعت الحرب لحسم الصراع، صراع المفاهيم، وصراع حسابات القوة، لأن لا مفاهيم لا تستند الى قراءة لموازين القوة، وعندما تقرأ الدول بصورة متعاكسة موازين القوة تقع الحروب، أما في حالة تايوان والصين فنحن لسنا أمام نزاع بين دولتين، بل نحن أمام دولة واحدة تعيش نزاعاً مع أحد أقاليمها المعترف بتبعيّته لها، لكن مع تحفّظ على حل النزاع بالقوة.

في حالة أوكرانيا يحق للحكومة الأوكرانية قانونياً طلب التدخل الأميركي العسكري، ويحق لأميركا تلبية الطلب، ولا يعتبر ذلك انتهاكاً للسيادة الروسية بل استفزاز لها، والاستفزاز ليس مخالفة للقانون الدولي بعكس انتهاك السيادة. وفي حالة الحرب الأوكرانية، يصح العكس، أي القول بأن روسيا انتهكت السيادة الأوكرانية، بينما في حالة الصين وتايوان، فالأمر مختلف في حال اندلاع نزاع مسلح، لا تملك حكومة تايوان التصرف كدولة ذات سيادة، فهي لا تحظى بالاعتراف الأممي، وليست عضواً في الأمم المتحدة، ولا يحق لها طلب مساندة عسكرية وإن فعلت لا يحق لأي دولة أجنبية أن تساندها، واي مساندة او تدخل يعتبر انتهاكاً للسيادة الصينية، وتدخلاً في شأن صيني داخلي.

المواجهة الأميركية الصينية لها ألف سبب وسبب، وهي في تصاعد طبيعي، لكن الإدراك المتبادل بين واشنطن وبكين لخطورة بلوغ لحظة الصدام العسكريّ نجح دائماً بالحفاظ على توتر بارد، ووضع قواعد اشتباك تحوّل دون بلوغ لحظة الصدام، ومعلوم لدى الفريقين أهمية تايوان في هذا الصراع، فهي قاعدة ارتكاز لأي محاولة أميركيّة لخلخلة الوضع الصينيّ، وهي جائزة الصين لأية معركة رابحة بوجه أميركا، لكن القضية كانت دائماً كيف لا تقع المواجهة المباشرة، وهذا يعني أن تلتزم واشنطن بمبدأ الصين الواحدة، وأن تلتزم بكين بمبدأ الحل السلمي للنزاع مع تايوان.

واشنطن تنتظر أن يأتي الخطأ الأول من الصين بعمل عسكري يستهدف تايوان، فيسقط التزام بكين بمبدأ الحل السلميّ ومعه يسقط تلقائياً الالتزام الأميركي بالصين الواحدة، وبالمقابل تنتظر بكين وقوع واشنطن بالخطأ الأول فتخرج عن الالتزام بالصين الواحدة، عبر خطوة تظهر انتهاك السيادة الصينية والتعامل مع تايوان كدولة مستقلّة ذات سيادة، فيسقط موجب الالتزام بالحل السلميّ عن بكين، ويصبح بيدها توقيت وشكل العمل العسكريّ لضمّ تايوان.

الذي يحدث مع زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركيّ إلى تايوان، اقتراب من هذه اللحظة، ولذلك يدبّ الذعر وسط النخب الأميركيّة مما وصفه توماس فريدمان برعونة وغباء بيلوسي، فواشنطن بغنى عن اندلاع نزاع عسكري حول تايوان بينما الحرب في أوكرانيا في ذروتها.

ليس مهماً الجواب عن سؤال افتراضيّ ماذا فعلت الصين؟ فالوقت مفتوح أمام الصين، وفي بكين يصفقون لبيلوسي وقد مرّرت لهم رمية تاريخية، ولهم أن يختاروا التوقيت والشكل للتحرك نحو تايوان، لأن الأغبياء فقط يفترضون أن قضية الصين هي الرد على زيارة بيلوسي، لأن القضية المؤجلة منذ نصف قرن تنتظر مَن يرتكب الخطأ الأول لتسقط المعادلة، صين واحدة مقابل حل سلمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى