مقالات وآراء

العدوان الصهيوني على قطاع غزة وميادين المواجهة الشاملة

عبد معروف

تعمل القيادة «الإسرائيلية» لاستثمار آلتها الحربية وعدوانها المتواصل في الأراضي الفلسطينية، كورقة فاعلة في قضاياها الداخلية، وخاصة الصراع القائم بين أحزابها وقواها السياسية المختلفة في مجال الانتخابات من جهة، وشكل الحكم في هذا الكيان العنصري من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار، يأتي التصعيد الصهيوني الدموي في قطاع غزة واقتحام المسجد الأقصى في القدس المحتلة، ليؤكد أيضاً أنّ العرب وشعب فلسطين في ميادين المواجهة والقتال مع الاحتلال، وأنّ جميع جلسات المفاوضات والاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت مع هذا العدو خلال العقود الماضية، لم تتمكّن من إجبار العدو على وقف عدوانه، ولم تؤدّ بأيّ حال من الأحوال إلى «سلام» حتى وفق الشروط «الإسرائيلية».

وإذا كانت العقود الماضية، أثبتت أنّ هذا العدو لا تردعه مفاوضات، ولا تضع اتفاقيات السلام لعدوانه حداً، وجيشه وآلته الحربية لا تزال بحالة حرب وعدوان، فإنّ كلّ ذلك يتطلب أيضاً استعداداً فلسطينياً بشكل خاص وعربياً بشكل عام، ويتطلب الدخول والانخراط في ميادين المواجهة والحشد والقتال دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته وكرامته.

والمواجهة لا تقتصر مع هذا العدو برجال ومقاتلين أبطال في ساحات القتال، بل إنها مواجهة شاملة في إطار حرب شعبية طويلة الأمد، شعب تقوده القوى السياسية والأطر النقابية والمنظمات الشعبية ونخب المثقفين، تعمل على رفع مستوى وعيه وقدرته على الصبر والتحمّل، وتعمل على تنظيمه وحشد طاقاته في ميادين المواجهة.

بالأمس كان الشعب الفلسطيني وفصائله السياسية والعسكرية في ميادين أخرى داخل الوطن وفي مواجهة مع الاحتلال، ( جنين وحي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، غزة)، وخلال كلّ حلقة من حلقات الصراع، تنظم المسيرات والمؤتمرات والوقفات التضامنية، خارج فلسطين وترفع شعارات الإدانة والاستنكار للعدوان، ثم يعود المتضامنون إلى منازلهم، ويبقى الشعب الفلسطيني داخل الوطن في حالة مواجهة وإعمار لما دمّرته آلة الحرب الصهيونية، وكأنها لحظة غضب أثارها العدوان في مكان معيّن وزمان محدّد.

لا شك أنّ العدو «الإسرائيلي» هو عدو أمة ويستهدف الأمة، ويعمل من أجل استمرار احتلال الأرض والسيطرة، والاختراق والتخريب داخل العواصم العربية، ولا شك أيضاً بأنّ الشعب الفلسطيني بحالة مواجهة دائمة لعدوان العدو المتواصل والمتصاعد بشكل وحشي وهمجي، ولكن لا بدّ من تحديد سبل المواجهة، وتحديد أدوات الصراع ليس على المستوى الفلسطيني وإنْ كان ذلك هو الأهمّ، بل على مستوى الأمة التي يعمل العدو «الإسرائيلي» وحلفائه في المعسكر الامبريالي على نهب الثروة والتفتيت وإثارة الفتن والصراعات الطائفية وإفقار الشعب.

وفي قطاع غزة اليوم، لا يمكن دحر عدوان الاحتلال، بثلة من الأبطال المقاومين في ميادين القتال فحسب، بل إنّ المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، تحتاج إلى انخراط شعب واعٍ ومنظم، وقوى سياسية موحدة وقيادات صلبة وقادرة على العمل في مختلف ميادين النضال والثورة، وانخراط القوى السياسية في صفوف الشعب المسكين، وتعبئته وتنظيمه، ورفع معنوياته وحشد طاقاته في ميادين المواجهة، وتحصينه من العملاء ومن ثقافة الانهزام واليأس والإحباط.

وإذا كان العدو «الإسرائيلي» هو عدو الأمة، وعدو يستهدف الأمة، فإنّ المواجهة تحتاج إلى صراع على مستوى الأمة، وإذا كان الخطر الداهم في فلسطين اليوم، فلا يمكن الوقوف مع الحق الفلسطيني وفي نفس الوقت نقيم العلاقات مع تل أبيب ونفتح العواصم لتجارها ولصوصها و»مافياتها» وأجهزتها الاستخبارية.

لا تكفي مظاهرات ومسيرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا تكفي وقفات الإدانة والاستنكار لمواجهة عدوان الاحتلال، إنها أضعف وأضعف الإيمان، ومن يعتقد أو يروّج أنّ الشعب الفلسطيني قادر على المواجهة والانتصار وحده، هو من يريد التخلي عن مسؤولياته، ويعمل على قصد أو غير قصد تحميل الشعب الفلسطيني أكثر من قدرته على التحمّل، ففي فلسطين معركة الأمة مع عدو الأمة، وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤولياته والانخراط في ميادين المواجهة.

 لا شك بأنّ المعركة في قطاع غزة، معركة مصيرية، وهي حلقة من حلقات الصراع، لكنها ليست كلّ الصراع، فالصراع مع الاحتلال الصهيوني سوف يستمرّ ولن يتوقف قبل دحر الاحتلال، ودحر الاحتلال لن يتحقق بإرادة أبطال مقاتلين في ميدان المعركة فحسب، بل بإرادة شعب يخوض غمار ثورته والتصدي لعدوه في كلّ ميادين المواجهةوإرادة الشعب لن تتحقق إلا بالوعي والتنظيم والحشد والوحدة الوطنية بين قواها وفصائلها الوطنية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى