مقالات وآراء

لما كانت معركة «وحدة الساحات» 2022 وما نتائجها؟

العميد د. أمين محمد حطيط*

عن سابق تخطيط وتصميم أقدمت «إسرائيل» على ارتكاب جريمة اغتيال أحد القياديين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، اغتيال شكل شرارة أضرمت النار في الميدان وأدخلت المعتدي في مواجهة عسكرية مع الحركة مواجهة أرادتها «إسرائيل» للتغطية على فشل هنا أو خيبة هناك وجدت نفسها أمامها في الأسابيع الأخيرة وأرادت من العدوان الذي اقتدحته أن يشكل لها تعويضاً عن خسائر او تغطية لفشل او ترميماً لردع يتآكل.

بيد أنه في الأصل قد لا يكون دقيقاً السؤال لماذا اعتدت «إسرائيل»، فالعدوان و»إسرائيل» متلازمان على الدوام وانّ وجود «إسرائيل» بذاته يشكل عدواناً متمادياً ومستمراً منذ أن اغتصبت فلسطين في العام 1948، ومع ذلك نجد محطات لتطوير العدوان تجد فيها «إسرائيل» أسباباً مباشرة طارئة تضاف للتاريخ الدائم، وهذه المرة نرى أنّ أسباباً ثلاثة دفعت «إسرائيل» لارتكاب عدوانها في آب الحالي من العام 2022، العدوان الذي نفذ على مدار أيام ثلاثة انتهت بوقف إطلاق النار بوساطة مصرية.

أما الأسباب الثلاثة تلك فنراها متمثلة أولاً بالانسداد السياسي الداخلي في «إسرائيل» التي وجدت نفسها الآن مضطرة للذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة هي الخامسة في سنتين، والثاني يظهر في الفشل الإقليمي في إنشاء هيكلية أمنية عربية تقودها «إسرائيل» في مواجهة محور المقاومة عامة وإيران خاصة، والسبب الثالث تشكل في لبنان الذي فرض عبر مقاومته معادلة الاستخراج المتقابل للغاز والنفط بحيث يكون الإنتاج على جانبي الحدود البحرية أو لا يكون لأحد.

مدفوعة بهذه الأسباب اختارت «إسرائيل» أن تنفذ عدواناً تستفرد فيه حركة الجهاد الإسلامي التي هي فصيل فلسطيني مقاوم يعتبر الأقرب الى إيران من الجميع كما يعتبر حلقة الربط الأساسية بين المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة خاصة بعد دخول حركة حماس في الوضع الذي هي فيه بعد خروجها من سورية وتعذر عودتها إليها. ولذلك اختارت «إسرائيل» توقيت الجولة الجديدة من العدوان لتحقق أهدافاً ثلاثة أوّلها طيّ صفحة المعادلات التي أنتجتها معركة «سيف القدس» وأهمّها معادلة الردع المتبادل وحماية الأقصى من غزة، والثاني دقّ إسفين بين الجهاد الإسلامي وبقية فصائل المقاومة مع رغبة في إدخال الجهاد في صراع مع حماس، والثالث سحق القدرات القتالية للجهاد الإسلامي على ان يكون ذلك بدءاً لاستراتيجية الاستفراد والتدمير.

لفد اختارت «إسرائيل» مناسبة وجود الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة في إيران لتنفذ عملية الاغتيال ولتبدأ عدوانها الذي حدّدت له أسبوعاً يمكن ان يتمدّد الي 10 أيام، اختارت ذلك لتجبر المسؤول الفلسطيني على قيادة المواجهة من طهران وعندها تسوّق عدوانها بأنه ضدّ فصيل فلسطيني ـ إيراني لا تستهدف فيه قطاع غزة، وهو مكر وخداع خبيث اعتادت «إسرائيل» عليه وتطمئن الى نجاحها في تسويقه عند «عرب التطبيع الابراهيمي».

هذا في الأسباب والدوافع والأهداف، أما في النتائج فإنّ صورتها كما يبدو لم تأت وفقاً لما شاءت «إسرائيل» ورغب به بعض العرب. وقبل أن نفصّل في تلك النتائج نرى من المفيد التذكير بالقواعد التي تعتمد لتقييم نتائج حرب أو معركة عسكرية ويحدّد بمقتضاها ما إذا كان في الأمر نصر أو هزيمة، ففي تلك القواعد انّ المهاجم ينتصر إذا حدّد أهداف هجومه ثم حققها بالهجوم، والمدافع ينتصر إذا منع المهاجم من تحقيق أهداف هجومه، وبالتالي فإنّ السؤال عن المنتصر يعني السؤال عن مدى تحقيق «إسرائيل» لأهداف عدوانها ومدى نجاح حركة الجهاد الإسلامي، الفصيل المقاوم الوحيد الذي استهدف بالعدوان وتصدّى له، مدى نجاحها في منع تحقق هذه الأهداف، وفي التفصيل نرى:

في الهدف الأول أيّ تعطيل معادلات الردع التي نشأت ما بعد «سيف القدس»، في هذا نعتقد أنّ «إسرائيل» فشلت في تحقيق الأمن النفسي للصهاينة واضطرت لرؤية مليون منهم في الملاجئ في أكثر من منطقة من الجنوب الى القدس وتل أبيب وعزز هذا المشهد بذاته قدرة الردع الفلسطيني على إحداث الأثر المطلوب خاصة لجهة التأثير السلبي علي قرار الحرب، الأمر الذي يضع المسؤول «الإسرائيلي» في المستوى السياسي أولاً ثم العسكري أمام عامل ضاغط يمنعه من استسهال اتخاذ قرار الحرب ومن إطالة المواجهة اذا حصلت، وهذا ما رأيناه من مواقف هؤلاء المسؤولين الذين أبدوا خشيتهم من تدحرج الأمور إلى حيث تثير الندامة لديهم والدخول في دوائر من القلق والخطر ليسوا جاهزين للتعامل معها خاصة أنّ «إسرائيل» عجزت عن إسكات مصادر النار او إسقاط كلّ الصواريخ التي وُجّهت اليها.

وفي الهدف الثاني أيّ تفكيك وحدة المقاومة الفلسطينية، بدا جلياً منذ اللحظة الأولى للعدوان انّ «إسرائيل» تريد الاستفراد بحركة الجهاد مع تحييد باقي الفصائل المقاومة وفي رأسها حركة حماس، ما يتسبّب لاحقاً بنزاع داخلي بين تلك الفصائل، لكن الوعي العميق لدى حركة الجهاد حال دون الوقوع في الفخ وحوّل التحدّي الى فرصة وجاءت تسمية المعركة الدفاعية باسم «وحدة الساحات» رداً معبّراً على النية الخبيثة تلك، ثم كان استثمار إحجام حماس عن المشاركة في القتال رداً عملياً آخر، استثمار حصل على وجهين الأول لصالح المدنيين إذ جرى عبر الوسطاء القطريين والأتراك، وتحقق عبرهم تفاهم غير معلن مضمونه امتناع «إسرائيل» قدر الإمكان عن استهداف المدنيين في غزة مقابل عدم مشاركة حماس في المواجهة، والثاني فرصة إظهار قدرات حركة الجهاد علي المواجهة بمفردها واستمرارها في الميدان او وقف النار بقرارها هي وليس تنفيذاً لتفاهمات تعقد دون الوقوف على رأيها،

أما في الهدف الثالث أيّ موقع حركة الجهاد الإسلامي وقدراتها. هنا يكمن الهدف الرئيس للعدوان وقد ظهر ذلك من خلال استهداف القادة او البنية العسكرية والقتالية فيها، وتأكد من خلال قرار «إسرائيل» بوقف العدوان من جانب واحد، لكن الميدان أظهر انّ «إسرائيل» فشلت في تحقيق هذا الهدف حيث انّ الجهاد الإسلامي اعتبرت نفسها غير معنية بالقرار «الإسرائيلي» وانها مستمرة في المعركة حتى حصول اتفاق معها، وأثبتت انها تحتفظ بقدرات كافية للاستمرار في المواجهة، وهذا ما تأكد من خلال الصواريخ الـ ١٥٢ التي أطلقت بعد ظهر يوم الأحد في الساعات الخمس التي سبقت دخول وقف إطلاق النار الاتفاقي حيّز لتنفيذ،

والى ما تقدّم يُضاف أيضاً تحقق مسألة استراتيجية هامة لم يكن يتوقعها أحد وجاءت نتيجة فرضت نفسها على الجميع وباتت أمراً واقعاً على الصعيد الفلسطيني وهي موقع حركة الجهاد الإسلامي في البنية القيادية الفلسطينية، وهنا نذكر أنه قبل العام 1982 كانت القيادة الفلسطينية او جهة صنع القرار الفلسطيني محصورة بمنظمة التحرير التي تتولى حركة فتح السلطة التامة فيها، ومع ظهور حماس وتجذرها دخلت حركة حماس شريكاً غير رسمي او لنقل شريكاً واقعياً في صنع القرار الفلسطيني، وكانت حركة الجهاد الإسلامي إما مهمّشة كلياً أو يُستأنس برأيها دون ان يكون موقفها ملزماً، خاصة في المسائل الميدانية من وقف نار وتهدئة وما إليها، أما الآن فقد ظهرت حركة الجهاد الإسلامي بأنها العنصر المسؤول والجهة التي يتمّ التفاوض معها بمفردها لوقف إطلاق النار وهو أمر يحصل للمرة الأولى منذ إنشاء الحركة قبل أربعة عقود،

وفي الخلاصة نجد انّ معركة «وحدة الساحات» حققت نصراً للمقاومة الفلسطينية بشكل عام صنعته حركة الجهاد الإسلامي التي منعت «إسرائيل» من تحقيق أهداف عدوانها فأنزلت فيها هزيمة واضحة أقرّ بها الاعلام «الإسرائيلي» الذي ذهب بعضه لوصفها بالهزيمة «المدوية»، أما على الصعيد الفلسطيني فقد شكلت المعركة مناسبة لإعادة تشكل الخريطة السياسية والعسكرية ولإظهار قوة حركة الجهاد الإسلامي ذات الالتزامات العقائدية المعروفة، والتي لم تنخرط مطلقاً في مفاوضات التسوية وترى انّ مواجهة إسرائيل لا تكون إلا بالمقاومة، وسيكون لهذا الأمر تداعياته على مجمل القضية الفلسطينية، وبذلك تكون حركة الجهاد جديرة بالثناء على ما حققته في هذه المعركة من إنجازات.

 

*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى