أولى

ليبيا تعود للمشهد مجدداً!!

د. محمد سيد أحمد

 نعود للكتابة مجدداً عن ليبيا العربية, إحدى أهم بوابات الأمن القومي المصري, فخلال هذا الأسبوع تم فتح الملف الليبي عبر الوساطة المصرية في محاولة لمّ الشمل وإعادة المسار الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات, وجمع الفرقاء الليبيين لسد الفراغ السياسي الموجود على الساحة الليبية, في الوقت الذي رحلت فيه المستشارة الأممية ستيفاني وليامز التي كانت تنفذ الأجندة الأميركية على الأرض الليبية, وتعثر المحادثات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة, في ظل وجود حكومتين واحدة برئاسة عبد الحميد دبيبة والذي انتهت ولايته ويرفض التسليم, والثانية برئاسة فتحي باشاغا الذي عينه البرلمان. وفي ظل هذا المشهد الضبابي تمت دعوتي لتحليل المشهد وتقديم قراءة لأهم المستجدات في محاولة لرسم السيناريوهات المحتملة, وتقديم الحل الأمثل ورسم خريطة طريق للمستقبل, عبر شاشة قناة النيل للأخبار.

وقبل البدء كان لا بد من العودة للخلف لنسترجع سوياً ما حدث في ليبيا العربية عبر ما يزيد عن عقد من الزمان, حيث تعرضت ليبيا العربية إلى مؤامرة حقيقية بهدف تقسيمها وتفتيتها والاستيلاء على ثرواتها منذ أطلقت الولايات المتحدة الأميركية إشارة البدء للربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011.

وليبيا العربية بدأت الحرب عليها مبكراً جداً وقبل انطلاق الربيع المزعوم بسنوات طويلة. فالتوجهات القومية العروبية الوحدوية المبكرة لقائدها معمر القذافي لم تكن لتعجب الامبراطورية الأميركية الامبريالية خاصة عندما بدأ تطويرها تجاه أفريقيا بعد انسداد آفاق تحققها عربياً. وبالفعل كان تمدد أدوار ليبيا في أفريقيا يزعج الغرب الامبريالي بشكل كبير فكانت التهديدات والعقوبات الدولية والحصار الاقتصادي والحظر الجوي هي سلاح أميركا والغرب ضد ليبيا العربية وقائدها معمر القذافي.

وحين اشتعلت نيران الربيع العربي المزعوم كان الثوب الليبي أول من احترق, وبدعم من الجامعة العربية المزعومة تم اتخاذ القرار لغزو ليبيا بواسطة الآلة العسكرية الجهنمية الجبارة لحلف الناتو, وكان الصمود الأسطوري للشعب العربي الليبي وجيشه وقائده والذي استمر لثمانية أشهر كاملة قامت القوات الغازية خلالها بتنفيذ أكثر من 26 ألف طلعة جوية, وكانت النتيجة الحتمية هي اغتيال القائد الذي رفض الاستسلام وظل يدافع عن وطنه حتى الرمق الأخير وفضل الاستشهاد على الاستسلام للعدو الغازي.

وكما أكدنا مراراً فإن كل عوامل الثورة المزعومة ليس لها أي مبرر أو وجود في المجتمع الليبي الذي كان متوسط دخل الفرد فيه من أعلى متوسطات الدخول في المنطقة العربية, وكان يتميز بتوافر كل سبل العيش الكريم والعدالة الاجتماعيّة بل والرفاهية للغالبية العظمى من المواطنين حتى في ظل الحصار الاقتصادي الرهيب والطويل, وكانت ليبيا دائماً حاضنة فعلية لكل العرب وأولهم أبناء الشعب المصري. فكما كانت العراق حاضنة وبكرامة للعمالة المصرية كانت ليبيا إحدى أهم الدول العربية التي فتحت أحضانها للمصريين فكان بها ما يقرب من 2 مليون مصري يتمتعون بكامل حقوق المواطنة وكأنهم ليبيون، وبعد الغزو عاد الكثير منهم ليشكلوا ضغطاً رهيباً على الاقتصاد المصري, مما يهدد الأمن القومي الاجتماعي, ولم تتوقف المسألة على ذلك بل أصبحت حدود مصر الغربية في خطر نتيجة لما حدث ويحدث في ليبيا منذ مطلع العام 2011.

لقد أدت الأحداث الدامية في ليبيا إلى حدوث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية هائلة أثرت دون شك على البناء الاجتماعي واستقراره وضربت النسيج الاجتماعي المتماسك للمجتمع الليبي وأصابته في مقتل, وكانت نتيجة تلك التحولات حدوث انقسام سياسيّ حاد, واحتراب داخلي, وميليشيات مسلحة, وانتشار السلاح بشكل عشوائي يقدر بـ 30 مليون قطعة سلاح, هذا بخلاف 2 مليون مهجر خارج البلاد في دول الجوار مصر وتونس والمغرب, هذا إلى جانب النازحين في الداخل, وتفتيت وحدة القبائل الليبية التي تقدر بحوالي 2000 قبيلة, وأخيراً تدمير البنية التحتية لكل المدن الليبية بفعل القصف الجوي الوحشي لقوات الناتو الغازية. لكن وعلى الرغم من ذلك فكل يوم يزداد الأمر تعقيداً علي مستوى حل الأزمة الليبية, فالمجتمع الدولي لا يسعى بشكل جدّي لحل تلك الأزمة بل يساهم في تعقيدها لاستمرار القوى الامبريالية في سرقة ونهب ثروات الشعب العربي الليبي, واستغلال الموقع الجيواستراتيجي لليبيا. فالقوى الامبريالية المختلفة تحلم بإقامة قواعد عسكرية على الأرض الليبية مثلما كان في الماضي وتخلص منها القائد معمر القذافي.

وبالطبع فكل السيناريوهات المرسومة من قبل القوى الدولية لا يمكن أن تقودنا لحل الأزمة الليبية, وخارطة الطريق الوحيدة التي نراها هي البدء فوراً وبشكل عاجل لإنجاز مصالحة وطنية حقيقية بين كل الفرقاء الليبيين دون استبعاد أي طرف ليبي على أن تكون المصالحة برعاية عربية وأفريقية بعيداً عن الأطراف الدولية الطامعة, يلي تلك الخطوة تشكيل جيش وطني موحد يشمل كل أبناء ليبيا من كل المناطق تكون مهمته الأولى والعاجلة مواجهة مباشرة مع الميليشيات المسلحة المكوّنة من المرتزقة والذين يعملون لصالح الاجندات الخارجية لأن هذه الميليشيات لن تترك السلاح طواعية. ثم تأتي خطوة إعادة بناء مؤسسات الدولة, يعقبها إعداد المسار الدستوري للوصول لانتخابات برلمانية ورئاسية, وبذلك تنتهي الأزمة الليبية وتعود ليبيا لسابق عهدها إحدى أهم بوابات الحفاظ على الأمن القومي المصري, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى