أخيرة

نافذة ضوء

النظرة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة إلى العالم الانسانيّ*

A visão Nacionalista- Social -Siria ao mundo humano

يوسف المسمار**

لا حياة دائمة للبشر حتى زماننا إلا على كوكب الأرض، وواقع طبيعة الأرض هو كوكب وليس سهلاً مسطحاً يجعل الناس ذات طبيعة واحدة ويجعلهم مجتمعاً واحداً، بل إن الأرض هي بيئات طبيعية متنوعة ومتعددة ومقسمة إلى أقاليم تتفاوت فيها مقومات الحياة بحسب الخصوبة والجفاف، ودرجة الحرارة والبرودة، وتوفر الموارد الطبيعية التي يحتاجها الانسان لحياته ولرقيّه ونقصانها او عدم توفرها، وكذلك توجد أقاليم تنتفي فيها مقومات الحياة بشكل مطلق.

 وما يهمنا هو الأرض التي تتوفر فيها مقومات الحياة فيعيش الإنسان فيها ويصنع تاريخه إما حضارةً تنمو وترتقي فيفرض حقيقته وخلوده الحضاري في الوجود معرفة وعلماً وحكمة وفنوناً، وإما خمولاً يجعل الإنسان زائلاً بلا تاريخ وبلا حضارة وكأنه لم يكن موجوداً.

وكم كان أنطون سعاده على حق حين وضع هذه القاعدة في نهاية الفصل الثالث في بحث «الأرض وجغرافيتها» في كتاب نشوء الأمم التي هي:

 «لا بشر حيث لا أرض، ولا جماعة حيث لا بيئة، ولا تاريخ حيث لا جماعة».

والجماعة الأكمل هي الأمة المؤهلة التي لها تاريخ ولها حضارة.

ولأن طبيعة كوكب الأرض مقسّمة، ومتعددة، ومتنوعة، فقد تعدّدت مجتمعات البشر الذين لا وجود لهم إلا على الأرض مما جعل متحداتهم الاجتماعية تتمايز وتتنوّع وبالتالي تختلف ميولهم ومطامحهم بحيث تتوافق ثم تتناقض، ثم تعود لتتطابق تارة أخرى ثم تتصادم مصالحهم ثم تتناغم ثم تعود لتتعاكس وهكذا دواليك.

 وهكذا يمكننا القول إن البشر توزّعوا جماعات وفقاً للبيئات الطبيعيّة التي كان وجودهم فيها.

لذلك، فإن البيئة الأرضية الطبيعية هي ضرورة أساسية لنشوء المجتمع البشري، وبدون بيئة أرضية طبيعية، لا يمكن للمجتمع البشري أن يوجد أبدًا.

 البيئة الطبيعية بهذا المعنى هي الوطن الحقيقيّ لجميع أفراد جماعة المجتمع البشري المعيَّن، وأفراد المجموعة الذين ولدوا وأقاموا وعاشوا واشتركوا في حياة واحدة في البيئة الطبيعية هم المواطنون الحقيقيون.

فإذا استيقظ الوجدان الاجتماعي في كل فرد من أبناء الجماعة، فقد أصبحت الجماعة واعية وراشدة ووصلت الى مرحلة الوعي القومي الاجتماعي الذي يشمل المجتمع الطبيعيّ المعيّن كله فيصير المجتمع حراً مستقلاً وسيّداً على نفسه وعلى بيئته.

 وهذا هو الوعي القومي الاجتماعي المنبثق عن التفكير القومي الاجتماعي الذي يعبّر عن النظرة السورية القومية الاجتماعية في كل مجتمع طبيعي معيّن، وهذه النظرة ليست مقتصرة على مجتمع معيّن بل نظرة شاملة كل مجتمع حيّ.

هذه النظرة أطلقها عالم الاجتماع أنطون سعاده ليس لسورية فقط، بل لجميع الأمم من أجل بناء عالم إنساني متقدّم جديد يقوم على التعاون والمشاركة والتضامن والانسجام التام والاحترام المتبادل بين جميع الحركات الحضارية الراقية في جميع الأمم.

فالعالم الراقي روحياً ومادياً تنشئه الأمم الراقية روحياً ومادياً ولا يمكن أن ينشأ عالم حضاري راقي بتدمير الأمم التي هي عناصر تكوينه، كما لا يمكن ان يبقى كوكب الارض كوكباً صالحاً لحياة البشر إذا تفتت فتاتاً في هذا الفضاء اللامتناهيوهذه هي ملامح فلسفة النظرة الجديدة الى العالم الإنساني التي قدمها العالم الاجتماعي والفيلسوف السوري أنطون سعاده في خطابه في بويس أيريس في أيلول سنة 1939 ونشر في صحيفة الزوبعة في العدد 88 التي ورد فيها:

إن في سورية اليوم نهضة عظيمة تعيد الى الأمة حيويتها لتعود الى الإنتاج والعطاء كما كانت تنتج وتعطي في الماضي.

إننا نشهد الآن صراعاً عنيفاً في حرب عالمية هائلة لم يسبق لها نظير بين نظرية الشيوعية والاشتراكية القائمة على الأساس الماركسي الذي يفسّر الحياة ويريد إقامة نظام جديد في العالم كله بالمبادئ المادية، ونظرية الفاشيين والاشتراكيين القوميين القائمة على الإساس الذي يُفسّر الحياة ويريد اقامة نظام جديد في العالم كله بالمبادئ الروحية.

ان سورية لا تقف تجاه هذا الصراع الهائل واجمة واجفة.

إن النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن ان ليس بالمبدأ الماديّ وحده يُفَسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً ويُشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذاك.                    

إننا نقول بأن التاريخ والحياة يُفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامعبفلسفة جديدة تقول ان المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم.

لإني أقول إن النظام الجديد للعالم لا يمكن ان يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادةبين المبدأ الروحي والمبدأ الماديبين نفي الروح المادة ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحيالمادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادةعلى أساس ماديروحي يجمع بين ناحيتي الحياة الإنسانية

بهذا المبدأبهذه الفلسفةفلسفة القومية الاجتماعيةتتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية الى العالم واثقة انه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المُعقّدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطراد الارتقاء في سلّم الحياة الجديدة”. 

فالنظرة السورية القومية الاجتماعية الشاملة الى الحياة والكون والفن والعالم هي التي لا تكتفي بالقول بوحدة العالم الإنساني، بل تعمل لها وتجاهد ليكون تحقيقها على أساس تحقيق نهضة قومية اجتماعية في كل أمة من الأمم كما تريد تحقيقها في الأمة السورية.

وهذه هي رسالة سورية الجديدة الحضارية الى العالم كله لتوليد ونشوء العالم الجديد بتفاعل حضارات الأمم القومية الاجتماعية تفاعلاً يعمّق أساسات التقدم، ويوسّع مدارات التآخي، ويطلق تصوّره وطموحه وصراعه إلى أبعد آفاق المُثـُل الإنسانية العليا.

*ترجمة لمقال نشر بالبرتغالية.

**المدير الثقافي للجمعية الثقافية السوريةالبرازيلية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى